فقال: {وقني شر ما قضيت} قال أهل العلم من أهل السنة: قد يكون القضاء في حق العبد شر بالنسبة إليه، وأما بالنسبة لقضاء الله المطلق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولقضائه الشرعي الأمري فهو خير كله، فتبارك الله رب العالمين.
حتى يتساءل بعض الزنادقة، يقول: ما الفائدة من خلق الذباب والبعوض؟ وما الفائدة من خلق الشوك والطلح الذي لا ثمر فيه؟ وما الفائدة من خلق البحار المالحة، التي مثل بحيرة طبرية؟
وأبو جعفر قال له طبيب وكان زنديقاً: إذا دخل عليك أحد العلماء، فحاول أن تبكته، وقل له: لماذا خلق الله الذباب؟
فدخل ابن السماك الواعظ -واعظ المسلمين- على الخليفة، فجلس وجلس العلماء حول أبي جعفر، فساق الله ذباباً من الكبار، فوقع على أنف أبي جعفر المنصور، فوقع على أنف الخليفة وأحرجه أمام الناس، فقال بالذباب هكذا فطار، ثم رجع إلى قواعده سالماً على أنف أبي جعفر.
وأبو جعفر هذا يذبح الملوك كذبح الشياه، قد ذبح أعمامه الأربعة، وذبح أبا مسلم الخراساني، وذبح هرثمة بن أعين، وكان يتصيدهم كصيد الغزلان، داهية من دهاة الدنيا، ومن النادر أن تجد في التاريخ مثله، فهو صنديد من أبناء ابن عباس، حكم الدنيا، وهو الذي بنى مدينة السلام وكان عالماً جهبذاً، يرتجل الخطبة، ولا يفكر في الموضوع إلا إذا جلس على المنبر.
فأتى الذباب وأحرجه أمام الناس، فأخذ يضرب بيده اليسرى مرة وباليمنى مرة، فقال: يا بن السماك! لماذا خلق الله الذباب؟ قال ابن السماك: ليذل به أنوف الطغاة.
وهذا من أحسن ما قيل! فلله الحكمة البالغة، وقد يكون من أسرار خلق الذباب أن يذل الله به أنوف الطغاة، فإن بعضهم تجده لا يستطيع أن ينظر إلى البشر، وكأنه من طينة أخرى، لا يلتفت إلى الناس ولا يتكلم معهم، وإذا جلس في المهرجان أو العرض العسكري، أتى الذباب وجلس على أنفه، يعني ضاقت الدنيا إلا على هذه القواعد والمطارات الجاهزة.