الكتاب والسنة طريق الهداية

وأما قوله: ما هي طرق الهداية؟

فليس للعبد في طرق الهداية إلا الآيات الشرعية التي أتت على يد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والهداية بالآيات الكونية؛ والآيات الكونية وحدها لا تكفي وقد عرف الكفار أن هناك رباً مدبراً خالقاً: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} [لقمان:25] وهذا لا يكفيهم حتى أتت الرسل فأخبرتهم أن هناك إلهاً محاسباً قديراً حكيماً رحيماً فهدوهم.

ولذلك تساءل أبو المعالي الجويني صاحب علم الكلام وهو شافعي: ما هو أول واجب على المكلف؟ قال -وهذا في فتح الباري ينقله ابن حجر الجهبذ الحافظ- قال: أول واجب على المكلف النظر والاستدلال، أن ينظر في الكون وأن يقرأ معالم الوحدانية

وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي

وهي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز معلقاً على كلام هذا الرجل: لا.

بل أول واجب على المكلف أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو الصحيح عند أهل السنة، لا النظر أو الاستدلال، لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم} فأول واجب: أن تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

السابع: لا يهتدي العبد إلا على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا يهتدي على يد المناطقة أو علماء الكلام أو الفلاسفة أو الأطباء أو مشايخ الصوفية ولكن: يهتدي عن طريق الرسل، وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهداية لا يأتي عليها خاتم المدنية وشارة محمد صلى الله عليه وسلم وعلم أبي القاسم؛ فلا حياها الله ولا بياها، ونسبوا للأستاذ الشهرستاني، صاحب كتاب الفرق أنه تحير في آخر حياته، وقيل: هذا للبغدادي، وقيل لـ ابن الخطيب، الذي يهمنا أن أحد الثلاثة قال هذه الأبيات، لما حضرته الوفاة تحير؛ لأن علمه منطق وفلسفة، ليس فيه (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) فقال وهو نادم حائر:

لعمري لقد طفت المعالم كلها وقلبت نفسي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم

وقد رددت عليه ببيتين، والشهرستاني يسمى عند علماء الكلام الأستاذ، وكان مشهوراً، فكان إذا دخل خراسان يستقبلونه على مرحلتين، قلت:

لعلك يا أستاذ زرت أحمدا رسول الهدى المبعوث من خير هاشم

فوالله لو زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للقصور القشاعم

واجتمع البطائحية بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقالوا: تعال نعلمك من علومنا، قال: لا.

علم لا يخرج من كيس محمد صلى الله عليه وسلم لا أريده.

فالمناهج كلها ضالة إلا منهجه عليه الصلاة والسلام، والشرائع كلها منسوخة إلا شريعته عليه الصلاة والسلام:

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

فهو الحاشر وهو العاقب وهو الذي نسخ الله به الشرائع، وهو المهتدي والهادي وهو الحجة:

في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف

فكن شهيداً على بيع النفوس فما تحوي الضمائر منا فوق ما نصف

سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا

وأما قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] فليس فيه حجة للجبرية الذين قالوا: العبد مجبور، يقولون لأحدهم: لماذا لا تهتدي؟ قال: لو شاء الله أن يهديني لاهتديت، وقال المشركون: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:148] قال: فاحتجوا بحجة هي عليهم فقال الله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] وقال أحد الزنادقة -عليه غضب الله- لما قالوا: إبليس لم يسجد، قال: من إبليس؟! من الذي أغوى إبليس؟! من هو شيطان إبليس؟!

يقول: إذا كان غوى إبليس فمن هو شيطانه.

وقال زنديق آخر:

وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

يقول: كنت تلميذاً عنده فأغواني، حتى صرت أكثر منه فأصبح من جندي، وقال زنديق ثالث:

نصب اللحم للبزاة على ذروتي عدن

ثم لاموا صبابتي في فتون من افتتن

لو أرادوا صيانتي حجبوا وجهك الحسن

يقول: كيف يخلق الله وجهاً حسناً ويأمرنا ألا ننظر إليه؟! فإذا نظرنا وافتتنا؛ لامنا.

فهو يعترض على الله، وقال ابن الراوندي وعنده كسرة خبز يأكلها وكان فقيراً فيلسوفاً ملحداً، ألف كتاب الدامغ على القرآن وقد وقف على النهر فمر مولى عنده خيول وجمال وبقر، قال: لمن هذه الخيول والجمال والبقر؟ قالوا: لفلان العبد، فالتفت إلى السماء، وقال: أنا فيلسوف الدنيا تعطيني كسرة خبز، والعبد هذا تعطيه هذه الخيل والبقر والغنم ثم رمى بالكسرة في النهر، فكان أهل السنة يترجمون له فيقولون: الكلب المعفر، الذي اعترض على قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقال زنديق رابع:

أيا رب تخلق أغصان رند وألحاظ حور وكثبان رمل

وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حكم العدل ذا حكم عدل

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] أما الرد على هؤلاء، فيقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] فلو شاء الله أن يهتدي من في الأرض؛ لهداهم جميعاً بكلمة كن، ولكن بيَّن طريق الخير، وبيَّن طريق الشر، ولم يجبر أحداً على الضلالة وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وبين طريق الجنة وطريق النار، وأنزل الكتب وأرسل الرسل، ونصب الصراط على النار، وخلق جنة وناراً، وخلق حواساً للعبد، ثم تركه لينظر ماذا يرى، وإلا ففي علمه سبحانه أنه يعلم من يضل ومن يهتدي.

الثاني: نرد عليهم بمنطوق الواقع، فنقول: أنت لا تقبل من زوجتك أو غلامك إذا احتجوا عليك بالقضاء والقدر، فلو قام ابنك وضربك على وجهك كفاً، فقلت له: لمَ ضربتني؟

قال: قدر الله أن أضربك، لما قبلت قوله، ولذلك رد عمر على السارق لما سرق، قال: [[لمَ سرقت؟ قال: قدر الله علي أن أسرق، فقطع يده عمر فقال: لمَ قطعت يدي؟ قال: قدر الله علي أن أقطع يدك]].

وهذه هي الحجة البالغة: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015