مغادرة موسى عليه السلام بني إسرائيل

وموسى الآن يغادر أرض بني إسرائيل من فلسطين ليركب البحر، بعد أن ألقى فيهم خطبة عظيمة، وبعد أن انتهى منها، قال له أحد بني إسرائيل: يا موسى! هل تعلم في الناس أعلم منك؟ قال: لا والله، لا أعلم في الناس أعلم مني؛ وصدق عليه السلام، فهو نبي الله ورسوله، ولكن الله عاتبه من فوق سبع سموات، وقال له: يا موسى! الخضر في مجمع البحرين أعلم منك، فارحل إليه وازدد إلى علمك علماً.

قال: يا رب! وأيُّ علامة أعرف بها إذا لقيت الخضر؟

قال: يا موسى! خذ حوتاً، واجعله مملوحاً في مكتل، فإذا فقدت الحوت فقد لقيت الخضر، فأخذ حوتاً ميتاً، سمكاً مملوحاً في مكتل، وأخذ غلامه يوشع بن نون يحمل معه الغداء في السفر، فمضيا كثيراً طويلاً وشق عليهم السير، قال الله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف:60 - 61] أحيا الله الحوت الميت فتحرك في المكتل، ثم أخذ يقتحم من المكتل إلى الماء، فقال موسى لما كلََّ سيره، وتعب عليه السلام، وملَّ من طول السفر، عاد إلى فتاه يقول: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] وكأن لسان حاله يقول:

لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومال الحادي وحار الدليل

فتأملتها وفكري من البين عليلٌ وطرف عيني كليلُ

وفؤادي ذاك الفؤاد المعنَّى وغرامي ذاك الغرام الدخيل

قال لغلامه: آتنا غداءنا نتغدى، {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] تعب الرحالة، فأتى غلامه إلى المكتل ففقد الحوت، فقال: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} [الكهف:63].

عجباً! كيف يعيش الحوت، وقد مات كيف ينزل ثم يسبح في الماء؟ فكان عجباً لموسى، لكن الذي يحيى الميت هو الله، والذي يرشد الجهلة هو الله، فكأن الله يقول: كما أحيينا هذا السمك في الماء نحيي القلوب كذلك بالحكمة والعلم، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:1] ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015