الحمد لله، الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالجهل بعد أن تمادت في ابتداعها، وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على من أوصل الله به أنوار الهداية بعد انقطاعها، ورفع به قصور الإسلام فاتسقت في اتساعها، ودك به دولة الجاهلية وهدّم به حصون قلاعها، والصلاة والسلام على أشرف من بعثه الله، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد: عباد الله! فيقص الله تبارك وتعالى علينا قصة موسى عليه السلام، وهو يرتحل في البحر ليلقى الخضر عليه السلام فيتعلم منه علماً، وكأن لسان حال القصة يقول: هكذا فاطلبوا العلم، فإذا كان موسى عليه السلام؛ على سمو قدره، وجلالة مكانته، يحرص على طلب العلم، فما بالنا نحن الضعفاء المحاويج، الجهلة، لا نطلب العلم؟!
إنه حرص من موسى عليه السلام على طلب العلم، ولذلك يقول الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم، (باب: السفر في البحر لطلب العلم) ثم يتوج هذا الباب بقصة موسى عليه السلام؛ الرحالة المغامر، الذي ركب البحر ليلقى الخضر، ويستفيد منه علماً جماً.
عرف ذلك السلف الصالح في طلب العلم؛ فسهروا الليالي، لأن العلم بعد الهداية أشرف مطلوبٍ في الحياة:
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردت
وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنت
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددت
رحل الإمام أحمد شهرين كاملين ليلاً ونهاراً من بغداد دار السلام إلى صنعاء اليمن ليأخذ عشرة أحاديث.
ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الشهير الخطير إلى مصر إلى مدينة العريش ليكتسب حديثاً واحداً من عبد الله بن أنيس.
قال سعيد بن المسيب: [[والله الذي لا إله إلا هو إني كنت أرحل الأيام الطوال لحديث واحد]].
فيا أيتها الأمة المتفقهة الرائدة! هكذا ليطلب العلم، فلنستمع إلى القصة التي ساقها الله تبارك وتعالى في كتابه، تلميذٌ مع شيخه، وطالبٌ مع معلمه.