ذكر الله قصة قرية في اليمن كما يقول سيد قطب رحمه الله: الآن ينتقل إلى اليمن ليحدثنا عن قرية من قرى اليمن , قرية هادئة مطمئنة، يصفها الله بوصف القرآن البليغ الجميل البديع، واسمع إلى السياق سبحان من أنزله! وسبحان من تكلم به!
آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم
أتى على سفر التوراة فانهزمت فلم يفدها زمان السبق والقدم
قرآن ينتهي من قصة سليمان والجن ثم يقف ويقول: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15].
هذه القرية يقولون: كان للرجل بستانان اثنان عن يمين بيته وعن يساره, ظل ظليل، وماء بارد، وثمر طيب، وزهر وورد، وسلسبيل وخضرة، وطيور وغمام وراحة, وقال الله لهم: كلوا واشكروا، تنعموا واذكروا, والله تعالى لم يحرم علينا الطيبات.
اسكن القصر لكن صلِّ الجماعة.
اسكن القصر لكن حجّب زوجتك.
اسكن القصر لكن لا تدخل فيه الخمر, أو العهر والمعصية.
اسكن القصر والبس الجديد لكن استعن به على طاعة الله.
لكنهم رفضوا وأعرضوا, فماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم فأرة, يقول بعض السلف: حتى لا يقولون فأر لأنه ذكر بل يقولون: فأرة, وقد جعلوا الرصاص في سدهم الذي يختزن كميات هائلة من المياه, فأخذت الفأرة تنقض الرصاص فانهد السد فأصبحوا شذر مذر, قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ:16 - 19].
يقول: ما أبقينا من ذكرهم إلا الأحاديث في السمر, أين أهل الأندلس؟
أعندكم خبر من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
والزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
الولاء لله, والانتصار بالله, والعودة إلى الله, والتوبة من الخطايا، وتصحيح التوحيد، واللجأ إلى الله, ثم يقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة:65]
أي: كفرنا عنهم سيئاتهم، وأنعمنا عليهم وسترناهم في الدنيا، ولأدخلناهم جنات النعيم في الآخرة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة, ويهدم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله, ثم تلا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:52].