قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في محكم التنزيل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] سبب نزول هذه الآية: أن رجلاً من الأنصار لمس امرأة وقبلها، وهذه المرأة أجنبية، والنفس البشرية تضعف أحياناً، لكنه فر إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم يخبره بالداء يقول: {هلكتُ! فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا فعلت؟ فأخبره.
قال: ما أعلم في ذلك شيئاً حتى ينزل علي -أي: لا أفتيك حتى ينزل عليَّ الوحي -فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] قال: ألي يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لك ولمن عمل من أمتي بعملك إلى يوم القيامة}.
والصحيح أن هذه الآية في الفرائض، والحمد لله أنها في الفرائض، وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود:114] أي: صلاة الفجر وصلاة العصر {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} [هود:114] أي صلاة المغرب والعشاء {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ومن أدخل فيها النوافل فقد أصاب.
وعند أحمد في المسند بسند صحيح أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: كان الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث استحلفته فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله من ذاك الذنب إلا غفر الله له ثم تلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]}
وتسمى هذه ركعتي التوبة وهي ثابتة وصحيحة وأرشد بها إخواني، فمن فعل سيئة أو خطيئة صغرت أو كبرت أن يذهب إلى الماء فيتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستغفر الله ويستقيله من ذلك الذنب.
وفي الصحيحين أن رجلاً قال: {يا رسول الله! أصبت حداً، فسكت عليه الصلاة والسلام، فلما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أين فلان؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: أصليت معنا؟ قال: نعم.
قال: اذهب فقد غفر الله لك ذنبك بصلاتك} لكن ما هو شرح الحديث؟ وهذا الحديث في الصحيحين وهو ثابت وشرحه الإمام النووي، ومن المعاني:
قيل: إن الرجل كان يظن أن على هذا الذنب حداً وليس عليه حد أصلاً، ولو كان عليه حد لأقامه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الذنب ليس عليه حد؛ وكفارته الصلاة وقد حصل.
وقيل: بل كان هذا الذنب قبل أن تنزل الحدود؛ فجعل صلى الله عليه وسلم كفارته الصلاة والله أعلم، إنما هذا هو الحديث، والحديث لـ علي رضي الله عنه، ورواه أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي.
وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات أيبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا} أو كما قال، فالصلاة كما قال بعض السلف: تحترقون وتحترقون ثم تصلون فيكشف ما بكم، وهنا قال: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها؛ فأطفئوها بالصلاة.
وعند مسلم في الصحيح: {من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره} نسأل الله من فضله، وهذا في وضوء الفريضة، والحديث في الصحيح عن أهل الصغائر، أما أهل الكبائر فلابد لهم من التوبة.
وعند مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره} إسباغ الوضوء معناه: تعميم مواطن الوضوء بالماء، وإدخال الماء إلى البشرة، والوضوء على منهج السنة كما في الحديث الآخر: {أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً} ما معنى على المكاره؟ قيل: أن تسبغ في شدة البرودة، فإنك إن أسبغت الوضوء حتى في شدة الثلج وشدة الشتاء يكفر الله عنك به الخطايا في المكاره.
ولا يصح من قال: على الجروح؛ لأن هناك رخصة: أن من به جرح لا يغسل عليه.
{وكثرة الخطا إلى المساجد} كلما بعد البيت عن المسجد كان أحسن، وفي الترمذي أن رجلاً من الأنصار كان بعيد الدار عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له أصحابه: لو اشتريت حماراً تركبه إلى المسجد في ذهابك وإيابك قال: لا.
إني أرجو الله أن يكتب لي ممشاي ورجوعي إلى بيتي، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {بشروه! إن الله قد كتب له ذهابه ورجوعه إلى بيته}.
وفي السنن: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} قال: {وكثرة الخطا إلى المساجد} قالوا: كان ابن عمر يقارب خطاه إذا ذهب إلى المسجد حتى كأنه نملة -هذا في الحديث- لأن كل خطوة ترفع بها درجة وتحط بها سيئة وتكتب به حسنة، وهذا فقه عجيب لـ ابن عمر.
{وانتظار الصلاة بعد الصلاة} أي أنك إذا صليت تنتظر الصلاة الثانية، قالوا: انتظارها في المسجد، وهذا قول، ولكن الظاهر والله أعلم أنه انتظارها بالقلب ومراعاة الوقت؛ وذكر الإمام أحمد عن عدي بن حاتم في كتاب الزهد قال: [[ولا دخلت علي صلاة إلا كنت لها بالأشواق]].
فالصالحون دائماً ينظرون إلى الوقت ويراعون الزوال وينظرون إلى ساعاتهم هل أذن، كم بقي من الأذان، متى يؤذن عندكم، قلوبهم معلقة بالمساجد، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمساجد
وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري