{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس:4]: قال أهل العلم: من شر الشيطان، وإنما حذف المضاف وأتى بالمضاف إليه، للدلالة على ذلك.
فمن هو الوسواس؟
من هو الذي يوسوس؟
ومن هو الذي أغوى أجيال الأمة؟
ومن هو الذي أضل الألوف المؤلفة؟
ومن هو الذي جعل الشاب يتنكر لمبدئه، ويتنكر لمسجده ومصحفه؟
ومن هو الذي جعل طواغيت الأرض يحكمون بغير ما أنزل الله؟
ومن هو الذي جعل الظَّلَمة يستبدون بدماء الناس وأموالهم وأعراضهم؟
ومن هو الذي جعل المرأة تخرج سافرة كاشفة تكفر بالحجاب؟
من هو الذي جعل الأقلام المأجورة تكتب كفراً، وزندقة وحداثة، ورجساً؟
من هو الذي جعل الأديب يرتقي المنبر؛ ليكفر بالدين ويسب الرسول عليه الصلاة والسلام؟
من هو الذي جعل التاجر يخون في تجارته، ويتعامل بالربا، ويكذب، ويغش، ويخادع؟
من هو الذي جعل الشيخ في السبعين من عمره يختم عمره بشهادة الزور؟
من هو الذي جعل المغني يحمل العود، والطبلة، والكمنجة، والناي، ويُعرض عن القرآن، والدرس، والهداية، والمحاضرة؟
إنه الشيطان!!
فالذي أتى بـ اليهودية العالمية: الشيطان.
الذي أتى بـ النصرانية المحرفة: الشيطان.
الذي أتى بـ الشيوعية الكاذبة: الشيطان.
الذي أتى بـ العلمانية الخاسرة: الشيطان.
إذاً: فالشيطان وراء هذه الأحزاب، والأحلاف، والأنظمة، والاتجاهات، والكفريات في الأرض كلها.
إنها مدرسة الشيطان، والله هو الذي خلقه، فسأل ربه أن يُنْظِرَه، فأنظره الله، ليعيش الصراع العالمي: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة:251] ليكون هناك اتجاه وموكب فيه: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام ويكون هناك اتجاه وموكب آخر فيه: الشيطان، وفرعون، وقارون وهامان وأبو جهل وأبو لهب، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أولئك إلى الجنة, وأولئك إلى النار: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فهذا هو الشيطان.
ولم يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للعلم به، قال أهل العلم: والمعنى: من قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4] أي: من شر ذي الوسواس.
فحذف المضاف.
قال هذا الفراء: و {الْوَسْوَاسِ} [الناس:4] بفتح الواو، بمعنى: الاسم، أي فاسمه: الوَسْواس، أي: الموسوس.
و {الوَسْوَاسِ} [الناس:4] تُقرأ: {الْوِسْوَاسِ} [الناس:4] بكسر الواو على المصدر، فقرئت كذلك من الوَسْوَسة، وتنطق: من الوِسْوَسَة.
وكذلك الزَّلزال بفتح الزاي الأولى، والزِّلزال بكسر الزاي نفسها.
والوسوسة: حديث النفس، وهو ما يحدث به الإنسان نفسه.
فالشيطان يأتي للإنسان ويحدثه في نفسه بأحاديث تصل به إلى الكفر، أو البدعة، أو المعصية كبرى كانت أم صغرى، كما سوف يأتي.
يقال: وسوست إليه نفسُه وَسْوَسةً ووِسْوَسهً، ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي: وِسْواس.
قال ذو الرمة:
فبات يُشْزِئهُ تَأْدٌ ويُسْهِرُهُ تَذَوُّبُ الريحِ والوسواسُ والهضبُ
وقال الأعشى: وهي في قصيدته الطويلة التي مطلعها:
ودِّعْ هريرةَ إن الركب مرتحلُ وهل تطيق وداعاً أيها الرَّجُلُ
قال:
تسمع للحلي وِسواساً إذا انصرفَتْ كما استعان بريحٍ عشْرقٌ زَجِلُ
الحُلي، أي: حلي المرأة.
وِسواساً، أي: وِسواس الحُلي.
هذه هي الوَسوسة التي يحدثها الشيطان في قلوب كثير من الناس، وسماه الله عز وجل: وسواساً لهذا السبب.
وسوف يأتي معنا الأثر والأحاديث في هذا الباب، ولكنه يوسوس في حديث النفس.
قال قتادة: أول ما يبدأ به الشيطان: يوسوس للناس في الوضوء.
وصدق فيما قال، فهو أول الأمراض التي تصيب الناس، وهذا ملحوظ في كثير ممن يسأل في مسألة الوضوء، فيتلاعب به الشيطان في مسألة الوضوء إلى أن يعيد وضوءه، فيلعب ويسرف بالماء، ثم يدخله في الشك في العقيدة حتى يخرجه من الملة، والله المستعان.