أبو محذورة المؤذن في يوم ميلاده

يقول مجنون ليلى:

أما ورب الكعبة المعمورة والنغمات من أبي محذورة

وما تلا محمد من سورة لأفعلن فعلة مشكورة

ما أحسن الأبيات! كان أبو محذورة من أحسن الناس صوتاً، خرج من مكة والرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يريد الغزو، وأبو محذورة عنده غنم وهو شاب مشرك، ومعه صبية من المشركين، وأطفال من كفار قريش، فنزل صلى الله عليه وسلم في واد ونزل أبو محذورة وزملاؤه، في واد ثان، فأتت صلاة الظهر فقام بلال يؤذن لصلاة الظهر، فقام أبو محذورة يستهزئ بأذان بلال وراء الجبل، يؤذن بلال ويقول: الله أكبر، فيقول أبو محذورة: الله أكبر، وهو مشرك يؤذن في الغنم، بلال يؤذن في المسلمين وذاك يؤذن في غنمه، ما اهتدى للإسلام.

والرسول صلى الله عليه وسلم عنده اثنان للطوارئ دائماً، وللأمور المستعجلة، علي والزبير، دائماً على فرسين، السيف يقطر دماً في خدمة لا إله إلا الله قال: {يا علي! يا زبير! علي بهما، فانطلقا من وراء الجبل وطوقوهم، وقالا: إلى الرسول عليه الصلاة والسلام}.

ولذلك أكثر من ست قضايا وعلي والزبير ينتدبان لها، فذهبوا فوقفوا أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {من أذَّن منكم آنفاً؟ فخجلوا، فأذنوا بالدور، فأذن الأول وإذا صوته ليس الصوت الجميل ذاك، وأذن الثاني والثالث فإذا هو أبو محذورة، فقال له: أنت من أذَّن آنفاً؟ قال: نعم، فأتى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فخلع عمامة أبي محذورة ثم قال: اللهم بارك فيه واهده إلى الإسلام، فقال أبو محذورة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: اذهب مؤذناً في أهل مكة} فذهب يؤذن، قال أبو محذورة من حب الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه مرر يده على رأسه: [[والله لا أحلق هذا الشعر حتى أموت]] شعر مسه ذاك الكف، والله لا أحلقه حتى أموت، فوصل شعره إلى نصف جسمه، ولذلك كان يرده جذائل.

وأصل قصة أبي محذورة عند أحمد وغيره من أهل العلم.

ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا

وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا

عليك السلام يا رسول الله! ورضي الله عنك يا أبا محذورة! عاد مؤذناً، وهي وظيفة شرعية بقيت في ذريته إلى ما يقارب ثلاثمائة سنة.

ولذلك من أبنائه رجل أظنه حفيده، وقد ذكرها أهل العلم كـ التونسي لما ترجم للإمام مالك؛ أذن في مكة فسمع رجلاً ينشد في البيت حوله -وهو على المأذنة- بيتاً لـ مجنون ليلى يوم يقول:

صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

فأراد أن يقول: حي على الفلاح، فقال: حي على البهم.

أبو محذورة في حياته دروس:

أولاً: الهداية من الله.

الأمر الثاني: جمال الصوت.

الأمر الثالث: بركة الرسول عليه الصلاة والسلام وبركة تلك الكف.

الأمر الرابع: يُتبرك بآثاره عليه الصلاة والسلام، وليس ذلك لأحد غيره.

هذه حفظكم الله محاضرة بعنوان: (من أخبار السلف) عشناها مع ذاكم الجيل، ونسأل الله أن يعيننا على المواصلة في مثل هذه الأخبار، لنواصل الاستنباط من تلكم الأخبار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015