مات عليه الصلاة والسلام فانقسم الناس إلى مؤمنين صادقين، وإلى منكرين للزكاة، وإلى مرتدين عن الإسلام.
المرتدون بالإجماع يقتلون، أما مانع الزكاة فاختلف الصحابة، وقف أبو بكر على المنبر، فحلف وأقسم ليقاتلن مانع الزكاة، فقام عمر في المسجد، وقال: يا أبا بكر! كيف تقاتل الناس وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم} كيف يكون؟
الآن حوار في صلاة الجمعة، وقيل: بعد الصلاة بين الشيخين العظيمين الجليلين، الصديق والفاروق في مناظرة والناس ساكتون، وفي الناس علماء، وشهداء، وصادقون وبررة، ولكن سكتوا لأن هذه المسألة مدلهمة ومعضلة، أبو بكر يقول: نقاتلهم، وعمر يحتج عليه بالحديث ويقول: لا تقاتلهم، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وقد منعوا الزكاة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكر الزكاة، لكن سوف يأتي الخبر، فرفع أبو بكر صوته وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والذي نفسي بيده، لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف]] فأجمع الصحابة مع أبي بكر، قال عمر: [[فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتالهم سكتُّ]] أبو بكر مسدد، أبو بكر رجل يلهمه الله، أبو بكر أفضل من جميع الجالسين في المسجد، هو في كفة وهم في كفة، قال ابن حجر: لماذا لم يستدل أبو بكر على عمر بحديث في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} أليس هذا صريحاً في إثبات كلامه؟ وهو دليل في الصحيحين، لكن أبو بكر ترك هذا وذهب إلى القياس.
ولماذا عمر لم يتذكر هذا الحديث، لا أبو بكر تذكره ولا عمر تذكره، وإنما أتى هذا الحديث في الصحيحين؟
و صلى الله عليه وسلم نسي أبو بكر الحديث ونسي عمر، ولا يلزم من المجتهد أن يحفظ كل دليل في المسألة.
والجواب الثاني: قالوا: ما نسيا، لكن ما سمعا بالحديث أصلاً وهو من رواية ابن عمر، فلم يسمع به أبو بكر ولا عمر، وإنما سمع به ابن عمر، فالسؤال الثاني: لماذا لم يتكلم ابن عمر وهو حاضر في المسجد؟ لماذا ما فض هذا النزاع والجدال؟
صلى الله عليه وسلم قيل: ربما كان يتذكر لكنه استحى، تلاطم بحران في المسجد وابن عمر شاب، أبو بكر صدِّيق الإسلام، وعمر فاروق الإسلام، وهل يتدخل بينهم ومشايخ الصحابة سكوت؟ هذا جواب.
وقيل: ربما نسي، ثم رواه فيما بعد الله أعلم، إنما وقعت هذه المسألة، وكان الحق مع أبي بكر، وهو مصداق لهذا الحديث، فقاتل المتمردين وفي الحديث مسائل:
أولها: جلالة أبي بكر الصديق.
الأمر الثاني: المجتهد قد يخفى عليه بعض الأمور ولا يلزم العالم أن يحفظ كل جزئية.
الأمر الثالث: الحكم شورى، ومن كان بين الناس وعنده كلمة فليتحدث بها، يقول عمر على المنبر: [[يا أيها الناس! أرأيتم لو رأيتموني -وهو خليفة- ملت عن الطريق هكذا، فما أنتم صانعون]] فاستحيا الصحابة، ماذا يقولون؟
عمر يقول: أرأيتم لو ملت عن الطريق هكذا، اعوججت، أو أخربت في السياسة، أو في الطريق ماذا تصنعون؟
فقام أعرابي عند السارية، فسل سيفة أمام الناس، وقال: [[يا أمير المؤمنين! والذي لا إله إلا هو لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا لقال بالسيف هكذا]].
وصح في السير أن سلمان كان جالساً مع المسلمين وعمر يخطب، فقال: عمر بعد أن حمد الله وأثنى عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: [[يا أيها الناس: اسمعوا وعوا.
قال سلمان، وقد قام: والله لا نسمع ولا نعي]] مع من يتكلم؟ يتكلم مع عمر، كان عمر يقول في أول الخطبة وهو يبكي: اللهم إني بخيل فسخني لأوليائك، اللهم إني قوي فاعطف بي على أوليائك، ولو كان من أهل الدنيا أو من أهل الباطل لقصم عمر ظهره، لكن في حق [[قال سلمان: والله لا نسمع ولا نعي، قال عمر: لِمَ يا سلمان؟]] سلمان الفارسي {سلمان منا آل البيت} الذي إذا افتخر بنسبه قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
[[لِمَ يا سلمان؟ لِمَ لاتسمع لي؟ ألست خليفة؟ قال: تكتسي ثوبين وتكسونا من ثوب ثوب وقف عمر على المنبر وعليه ثوبان، أتت الثياب من اليمن فأعطى كل مسلم ثوباً، قال عمر: لا يجيبك إلا ابني عبد الله، فقام عبد الله بن عمر وقال: إن أبي رجل طويل -طويل الجسم- وإنه أعطاني ثوباً مع المسلمين وأخذ ثوباً فأعطيته ثوبي إلى ثوبه، قال سلمان: الآن قل نسمع وَأْمُر نطع]] فاندفع عمر يتحدث هذا أمر المسائلة والمناقشة التي على رءوس الأشهاد.
1/ وفيه: أن القياس يؤخذ به إذا خفي النص، وقد أخذ به أبو بكر.
2/ وفيه: أن الله شرح صدر أبي بكر لقتال المرتدين.
3/ وفيه: أن من ترك الزكاة أو منعها قوتل.
4/ وفيه: أن من ترك بعض الفرائض وجحدها كفر، فليعلم هذا.