الموقف الثاني: يقول صلى الله عليه وسلم لـ أسامة: {كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟} والقصة في صحيح مسلم.
أرسل صلى الله عليه وسلم جيشاً وقائده أسامة بن زيد، وعُمره آنذاك قيل: من الثالثة عشرة إلى الخامسة عشرة، أرسله إلى الحرقات من جهينة على البحر الأحمر.
انظر إلى القائد! أتدرون من في قيادة أسامة؟ ومن هم الجيش؟
عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام وأمثالهم، والقائد أسامة، عبد مولى، وكلنا عبيد لله، ثلاث عشرة سنة، وبعضهم اليوم عمره ثلاثة عشرة ولا يعرف شيئاً، سبهلل
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل
مثل أحد الحمقى عمره أربع عشرة سنة، أرسله أبوه، وقال: خذ بهذا الريال فولاً، وخذ بهذا الريال خبزاً، فذهب في الطريق فأصابه حيص بيص، فعاد إلى أبيه وقال: يا أبتاه! شككت في أمري وأردت أن أتيقن منك، هذا الريال للفول أم هذا؟ فتح الله عليه! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] لأن من يتربَّى على جمع الطوابع والمراسلة، يأتي بعقلية مثل هذه العقلية.
أما أسامة فتربى على كلمة (لا إله إلا الله) وعلى الصلوات الخمس، وقيام الليل، وتدبر القرآن، ذهب أسامة وقاد الجيوش، فوصل إلى هناك، فخرجت جهينة تقاتل الصحابة، وكان فيهم رجل لا يقصد إلى مسلم إلا قتله، يذبح في المسلمين ذبحاً، فانطلق عليه أسامة فهرب الرجل واختفى وراء الشجرة، فلما أدركه ورفع السيف ليقتله، قال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكان لسان حال أسامة: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:91 - 92] فضربه فقتله.
لمن ترفع هذه القضية؟ قضية شائكة، إنسان يقاتلك ثم تذهب إليه وتطارده، فيقول: لا إله إلا الله، فتقتله رفعت إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام أتى الصحابة فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، فتغير وجهه، واحمر، ورعد أمره عليه الصلاة والسلام، فأشرف أسامة، فقال صلى الله عليه وسلم قبل أن يُسَلِّم أسامة: {يا أسامة! أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها مستجيراً بعد أن قتل في المسلمين.
قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟ قال: يارسول الله! إنما قالها مستجيراً، قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! قاتلنا وقتلنا.
قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟} موقف تشيب له الولدان، فألقى أسامة الرمح من يده، وقال: {ياليتني ما أسلمت إلا هذه الساعة} أجاهد وأقتل مسلماً ياليتني ما أسلمت إلا الآن، ياليتني ما ذهبت إلى المعركة، ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟ تأتي لا إله إلا الله في بطاقة، فتنزل فتدافع عن صاحبها!!
(لا إله إلا الله) من أجلها أقيمت الأرض، وهي مفتاح الجنة، حنانيك يا أسامة! غفر الله ذنبك يا أسامة! عطف الله عليك القلوب، وقد فعل.
أما الرسول فتوقف وما أفتاه، إنما قال: ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟ يعني: احتكم أنت وإياها يوم العرض الأكبر.
وفيه دليل على أن (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مفتاح الجنة، وعلى أنها تنقذ العبد من القتل في الدنيا، إذا لم يترك الصلاة، وعلى أنها من أحسن الكلمات، وعلى أنها عظيمة، دُمِّرت الأرض من أجل لا إله إلا الله خمس مرات.