ولما قسم صلى الله عليه وسلم وهو جالس أتى ابن مسعود فناجاه في أذنه عليه الصلاة والسلام، فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم حتى أصبح كالصفر، قيل كالنحاس إذا تغير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {رحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر} تكلم في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، قالوا: لا يعدل في الغنائم.
وقضية أن يعيش الإنسان المسلم الموجه للخير، العابد الزاهد المستقيم بدون خدش لعرضه مستحيل، فقد طلب موسى عليه السلام -كما في الآثار الإسرائيلية بأسانيد لا بأس بها- من الله عز وجل يوم كلمه ألا يتكلم الناس في عرضه، فقال الله عز وجل: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأعافيهم، وإنهم يسبونني ويشتمونني.
وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة: {يقول الله عز وجل: يشتمني ابن آدم ولا يحق له ذلك، ويسبني ابن آدم ولا يحق له ذلك، أما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت صاحبةً ولا ولداً، وأما سبه إياي فيسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار كيف أشاء}.
فما دام أن الله ما سلم من ألسنة البشر، فكيف يسلم الإنسان من ألسنتهم؟! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] كلما تكلم في عرضك رفعك الله، وهذا ابتلاء يحصل لكثير من الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في عرضه، فسكت وقال: {رحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال ابن مسعود: لا جرم، والله لا أرفع كلمة بعدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم}.
وفي حديث سنده حسن يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تحدثوني عما يقول أصحابي، فإني أريد أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر} إن إسكات الكلمات، وإنهاء المشاكل، وعدم النميمة هي حل وصفاء للقلوب بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقام عليه الصلاة والسلام يقسم وهو أعدل الناس بحكم الله عز وجل وتوفيق الله من فوق سبع سموات، فأتى هذا الخارجي الذي ما فقه في الدين شيئاً ليقول له: اعدل.