أيها الناس! أيها البررة: مات الجعد بن درهم في حب البدعة فما أحس للذبح في هوى المحبوب ألماً، فلماذا يألم أهل السنة من الذبح لحب السنة والله يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104].
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
خرج خالد القسري على الجعد بن درهم بالسكين فما تاب المسكين؛ لأنه عاشق! والعاشق يقول:
والله لو قطعوا رأسي لأهجرها لسار حول حماها في الهوى رأسي
الجعد بن درهم ممن زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً، صاح النذير لأبطال السنة بلسان: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] فما أحسوا للمس حساً.
تحدى أحمد بن حنبل الدنيا في حب مبدئه الحق؛ فتكسرت السياط على البساط، وأبو عبد الله يضحك في وجوه المنايا، والوحي يهتف: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ليعلم أحمد أن المتوكل سوف يتولى وأن المعتصم يموت.
في قاموس أحمد بن حنبل حديث قدسي: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً}.
أراد أهل البدعة أن يصرفوا عن الحق أحمد فما انصرف؛ لأنه أحمد ممنوع من الصرف.
عجباً كيف شربت الموت شربا وجعلت السيف للعلياء دربا
عجباً كيف تحديت الملا وسقيت الرمح حتى صب صبا
كنا أطفالاً نسمع بـ أحمد بن حنبل فحسبناه مفتياً في الزوايا، فلما كبرنا علمنا أنه معلم جيل وعالم أمة، وشيخ حياة.
الحجاج: من العاشقين.
عشق الدماء كما عشقت امرأة العزيز يوسف، فجرد السيف على عشاق الملة فشقي بـ سعيد، وكسر بـ ابن جبير منارة الدين، الرجل محنط، فما سمع من سكاره: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
أحد الفنانين رقص على نغمة:
أخبروها إذا أتيتم حماها أنني ذبت في الغرام فداها
وتراقصت أطراف جعفر الطيار على زمجرة
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
طارت روح جعفر إلى الجنة فأعطاه مولاه جناحين يطير بهما حيث يشاء، والذي يطير أعظم ممن يسير، يقول الشاعر:
نطير إليك من شوق الحشايا وبعض الناس نحوكم يسير
حمل أبو بكر الصديق الصدق فسار في قافلة: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] سمي بـ الصديق فلا يعرفه العالم إلا بـ الصديق، وصار خليفة الصادق المصدوق، وحمل مسيلمة الكذاب رداء الكذب، فهو في زنزانة ألا لعنة الله على الكاذبين، فلا يعرف مسيلمة إلا بالكذاب.
أراد خالد بن الوليد أن يداوي مسيلمة الكذاب من الكذب فما نجح العلاج فقطع رأسه ليزول الألم بالكلية.
عشاق الصدق يموتون من أجله، وعشاق الكذب أكثر يقتلون تحت نعله.