الأمر الثاني: وفاء الأنصار، فلم يكونوا منافقين رضي الله عنهم وأرضاهم، بل صدقوا في كلامهم، ثم إنهم جعلوا المنة لله - وقد صدقوا- ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صدقوا، ليس لك على الله منة، ولكن المنة من الله عليك.
أتى بعض الأعراب لا قاتلوا ولا حضروا بدراً ولا أحداً ولا حنيناً ولا اليرموك ولا القادسية ولا عين جالوت ولا حطين وقالوا: يا رسول الله! الناس أسلموا بالمقاتلة قاتلتهم وأسلموا، ونحن أسلمنا هكذا، وما حاربناك، فأنزل الله قوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] فالمنة لله عز وجل.
ولذلك تجد بعض الناس يتبجح باستقامته، ويقول: والله ما يحافظ على المسجد إلا أنا! ينام أهل الحارة ولا يؤذن إلا أنا! من الذي يدافع عن القضايا الإسلامية إلا أنا! ومن الذي يقف المواقف إلا أنا! ومن الذي فتح المشاريع وأجرى وصنع إلا أنا! نقول له: أتمنُ على الله أن قدمت لنفسك؟! بل المنة لله عز وجل أن هداك لهذا الفعل.