قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة:19] لأنهم خائفون من زواجر القرآن والسنة {مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة:19].
الصاعقة: هي صوت شديد يصحبه احتراق، وهي تتنزل من السماء بإذن الواحد الأحد، وقد أحرق الله بها أقواماً منهم من ذكر الله عز وجل كـ أربد بن قيس وهذا أخو لبيد بن ربيعة.
فقد ذهب أربد هذا وعامر بن الطفيل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من سادات العرب بعد أن حلف بآلهته وأصنامه ليقتلن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لـ أربد بن قيس -كان صديقاً له-: نذهب إليه في المدينة، فإذا كلمت الرسول (عليه الصلاة والسلام) وشغلته بكلامي فاضرب أنت رأسه، لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67] لا تنالك يد.
إحدى عشرة محاولة اغتيال ينجو منها صلى الله عليه وسلم بسلام؛ لأن الله يريد له أن يوصل البشرية إلى بر الأمان، وأن يدخلهم جنة عرضها السماوات والأرض.
أتى أربد وعامر إلى المدينة، فاقترب عامر من الرسول عليه الصلاة والسلام فأخذ يحدثه يريد فقط أن يشغله، أخذوه من بيته وأخرجوه من بين أهله ليجدوا فرصة للفتك به، فخرج معهم صلى الله عليه وسلم بلا سلاح ولا درع ولا سيف، لكن كما يقول البوصيري:
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم
عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطم
خرج معهم بثيابه صلى الله عليه وسلم وهو القائد الشهير، والزعيم الذي لم يطرق أسماع العالم أفصح ولا أنبل ولا أكرم منه، فلما أصبح هو وإياهم في الصحراء، قالوا: نريدك في أمر، قال: ما هو؟ وقد أتى أربد بسيف مسنون يقطر دماً وموتاً أحمر، فوقف خلف الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى عامر يتحدث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: خذ المدر وأعطنا الوبر، يقول له: نقتسم الدنيا أنا وإياك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {الأرض لله يورثها من يشاء} وعامر يشير أثناء كلامه لـ أربد بعينيه أن يضرب (اضرب الرجل) ولكن أين يذهب من الله عز وجل؟
فتوقف طويلاً وأعاد الكلام عليه مراراً فلم يتحرك، ثم أعاد الكلام، وفي الأخير ودع الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب، فقال: لا أصحبك بعد اليوم، لقد كنت عندي من أشجع العرب وأنت الآن من أجبنهم، لماذا لم تضرب الرجل؟
فحلف بآلهته، وقال: ما رفعت سيفي لأضربه إلا رأيتك بيني وبينه فكيف أضربك بالسيف؟!
وعرف النبي أنها مكيدة، فقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر بن الطفيل فقد كان سيداً من سادات العرب، لكنه سيد في الجهل والكفر، وعنده ألف مقاتل من الشباب، فلما ذهب دخل عند عجوز سلولية فشرب عندها لبناً فإذا بغدته تنتفخ كغدة البعير، فقام من الخيمة يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة من بني سلول، وأنا سيد عامر بن صعصعة، أركبوني على الفرس، فأركبوه ليموت على الفرس عنجهية وغطرسة، فأركبوه على الفرس فأخذت الغدة تكبر وتكبر، ثم انخدشت فمات.
وأما أربد بن قيس فذهب بجمله إلى السوق، فأرسل الله عليه من جنوده صاعقة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر:31] فاحترق هو وجمله وبضاعته وقماشه مرة واحدة.
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس
يا غارة الله جدي السير مسرعةً في أخذ هذا الفتى يا غارة الله
فهذه من الصواعق التي وقعت ويستعاذ بالله منها، فإنها تقع في بعض الديار ابتلاءً من الله، تقع على الشجر والبيوت والمزارع فتحرقها، فعلى المسلم إذا سمع صوت الرعد أن يقول: {اللهم لا تهلكنا بعذابك، ولا تقتلنا بغضبك، وعافنا قبل ذلك} أو كما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم.
وورد في بعض الآثار، ولكن في صحته نظر: {سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} وإذا وقع في الإنسان فليحتسبه عند الله، فإنها مصيبة يؤجر إن صبر عليها، كأن يأخذ البرق ابنه، أو ماشيته، أو يأخذ شيئاً من مزارعه فهي مصيبة إن صبر أجر عليها.