ورد في التاريخ مزالق لكثير من الخطباء، ويأتي ذلك من نقص علمهم، أو من ارتجاجهم على المنبر، أو من حمقهم، أو من عدم معرفتهم لتسيير الأمور.
منها: خطيب ذكره ابن الجوزي وقف على المنبر يريد أن يرتجل، والارتجال صعب حتى يتمكن العبد ويكتب ما يمكن أن يقوله ويحفظ خطبته؛ لأن بعض الشباب الآن يريد أن يرتجل قبل أن يخطب مكتوباً فارتجل فقال: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقال له الناس: في ستة أيام، قال: والله لقد تقاللت ستة أشهر يعني قليلة عندي أردت أن أقول ست سنوات.
ومنها: خطيب ذكره ابن الجوزي في الحمقى والمغفلين وقف على المنبر وقال: كما قال الله في محكم كتابه: (اعملي أم خالد ربَّ ساعٍ لقاعدِ) فقالوا: هذا ليس من كلام الله قال: يقول الله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] إلى غير ذلك.
ومن مزالقهم أيضاً: أن أحدهم وقف وقال: أيها الناس! اتقوا الله فإن الله أهلك ثمود بناقة لا تساوي مائتي درهم، فسموه مثمن ناقة صالح.
ومن مزالق الخطباء التي يذكرها ابن الجوزي أيضاً: التطويل على الناس وقد ذكرت هذا، ومنها: الكُرب التي تعلو بعض الناس حتى أغمي عليه وهو على المنبر، قام يتكلم فأغمي عليه لما واجه الناس، وقد كان ابن الجوزي في شبابه خجولاً جداً حتى كان ينصب الحجارة في الصحراء ويقوم فيها خطيباً حتى تمرن وتدرب وأصبح واعظ الدنيا بلا منازعة، لا أعلم بعد الصحابة إلى الآن أخطب من ابن الجوزي، وهو واعظ الدنيا، يقف في بغداد يقول في صيد الخاطر ويجتمع له أكثر من مائة ألف سامع، يأتي خليفة المسلمين المستضي ويجلس وراء الستار في المسجد ليستمع كلامه فكأن ابن الجوزي ما يعرف أن الخليفة وراء الستار، فقال له أحد الجلاس: يا ابن الجوزي! إن أمير المؤمنين وراء الستار، قال: لا تخبر الخليفة أنك أخبرتني أنه يسمع، يريد أن يفاجئه بكلام، فبدأ في الخطبة وقال -وهذا الكلام لأمير المؤمنين-:
ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك
فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك
ثم وجه كلمة للخليفة الغائب وكأنه لا يعرف أن الخليفة هنا، وبعد أن انتهت الخطبة خرج الناس فوجدوه مغمياً عليه يرش بالماء، كان الخليفة عالماً يخطب بهم العيد ويفتي ويوجه ويربي من علماء بني العباس لكنه حضر يستمع.