الكلمة الثالثة للأخ محمد بن عبد الله بن مبطي الشِّهري بعنوان (أثر الطاعة) فليتفضل:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أمَّا بَعْد:
أيها المسلمون: لقد مر على المسلمين زمن لم يكن الإسلام فيه سوى لا إله إلا الله، وقد لبث الرسول صلى الله عليه وسلم حقبة طويلة من الدهر وهو يدعو الناس إلى هذه الكلمة الطيبة، حيث مكث في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يقوي في المسلمين جانب العقيدة الصحيحة التي بموجبها يصبح المؤمن طائعاً لله منفذاً لأوامره في كل شئون حياته، حيث إن هذه الكلمة غير بها الحبيب صلى الله عليه وسلم مجرى تاريخ الأمة البشرية، فاستطاع أن يغير معتقداتهم الباطلة إلى معتقدات صحيحة وغير كذلك لباسهم ومظهرهم، واقتصادهم ومعاشهم، وتعاملهم وأوقاتهم وكل شئون الحياة، حيث جعلهم مرتبطين ارتباطاً مباشراً بخالقهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى محققاً فيهم قول الحق تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32] وقال موضحاً للأمة المحمدية أنه لا فوز ولا فلاح إلا في الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52] لقد كانت آيات القرآن الكريم تنزل على هذه القلوب الرطبة والطيبة فتصهرها على بوتقة الإيمان، ونور الهداية المحمدية حتى أصبحوا كما وصفهم الله فقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] فلما رأى نبيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم الاعتراف بفضل القادر على عباده، وأنه الرازق المدبر، المسخر الموجد لكل هذه النعم حيث أعطى الإنسان كل ما سأل، فجدير بالمؤمن أن يكون طائعاً لله وحده ممتثلاً لأمره في السر والعلن، وفي الغنى والفقر، وفي الصحة والسقم، وفي الصغر والكبر، وفي حال السلم والحرب وكل الأحوال، يتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عن العباس {} لأن الإسلام جاء وافياً مستوفياً لكل المعاني النبيلة والطيبة ليعيش هذا الإنسان في سعادة ونعمة حتى يلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
معشر الجمع المبارك! من آثار الطاعة: الإخبات لله عز وجل، والخشوع، وحسن السمت.
وأيضاً: انشراح الصدر يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22].
وأيضاً: قد يصبح الطائع لله ولياً من أوليائه.
وأيضاً: إذا تقرب الإنسان إلى الله بالطاعات وبالنوافل كان الله سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأل الله ليعطينه، ولئن استعاذ الله ليعيذنه.
والإسلام -يا معاشر المسلمين- كما وضحه صلى الله عليه وسلم للسائل عن العمل الصالح فقال له: {قل آمنت بالله ثم استقم} وإليكم معشر الجمع المبارك! بعض النماذج الخالدة التي قال الله فيها: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207] كأمثال الصديق فقد حقق الطاعة لله بكامل وأسمى معانيها، وكذلك بقية الصحابة رضوان الله عليهم.
ومثال آخر كـ أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنه وطاعتها لربها وحبها لله، وكيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: {اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة} إن المؤمن يجد نفسه أمام بحر لا ساحل له أمام هؤلاء العمالقة، الصدر الأول، الذين اختارهم الله لشرف صحبة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، كيف لا! وهم تخرجوا من جامعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالواجب علينا أن نحذو حذوهم وأن نستشعر عظمة الله جل وعلا ونلتزم بأمره، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعلمنا ويوجه إلينا خطاباته القرآنية في مواضع كثيرة فقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:32] ويقول أيضاً: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] ويقول جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] وقال جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].
نسأل الله جل وعلا أن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا علينا، وأن يوفق الجميع لاتباع أوامره واجتناب نواهيه وصلى الله وبارك على نبينا محمد.
الشيخ عائض:
أثابكم الله.
أنتم تعلمون أيها الإخوة! ويعلم المسلمون جميعاً أننا أمة معطاءة فينا الكثير والكثير، وأنا أعلم وأمامي المئات من شباب الإسلام ومن الصالحين الأخيار أن فيهم من هو أقدر مني ومن إخواني الذين يتكلمون ولكنها وللأسف طاقات معطلة لم تستخدم إلا القليل، أفلم يأن بعد أن يتحرك أصحابها بطاقاتهم وبمواهبهم التي سوف يسألهم الله عنها ليقولوا للناس: نحن أحفاد أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، فأردنا أن نقدم نموذجاً من أبنائكم لتسمعوا ولتروا وكلٌ يرى موهبته ويرى تجربته أمام هؤلاء.