الأخ الداعية علي بن غُرم الشهراني معه كلمة عن (شؤم المعاصي) فليتفضل:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها الإخوة في الله! ليس من شر وبلاء إلا وسببه المعاصي والذنوب، فبالمعصية تبدل إبليس بالإيمان كفراً، وبالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجنة ناراً تلظى، وعم قوم نوح الغرق، وأهلكن عاداً الريح العقيم، وأخذت ثمود الصيحة، وقلبت على اللوطية ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل فساء مطر المنذرين، قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40].
إنها الحقيقة الصارخة، فكلاً أخذنا بذنبه، تلكم الذنوب وشؤمها وعواقبها وما هي من الظالمين ببعيد، ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها.
أيها المسلمون! إن للمعاصي شؤماً ولها عواقب في النفس والأهل والمجتمع، وفي البر والبحر، تضل بها الأهواء وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه فيرفع مهابته من قلبه، قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18].
يقول الحسن البصري رحمه الله: [[هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم]] أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال: [[لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي.
فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فنعوذ بالله من سخط الله]].
عباد الله! بسبب الذنوب والآثام يكون الهم والحزن والعقد النفسية، إنها مصدر العجز والكسل، ومن ثم يكون البخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال، وتسلط الأعداء، واندراس الحق وفشو الباطل، بها تزول النعم، وتحل النقم، وتتحول العافية، ويستجلب سخط الرب ويحجب القطر.
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
إذا ابتلي العبد بالمعاصي استوحش قلبه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته، وجفاه الصالحون من أقاربه وأهله، حتى قال بعض السلف: [[إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق امرأتي ودابتي]].
أيها الإخوة في الله! إن ملازمة المعصية ومعايشتها تورث بلادة في الحس، وموتاً في القلب، واستئناساً بها، فلا يحس العاصي بالعقوبة، ولا يشعر بالذنب لما قد أورثته في قلبه من ذل وخضوع لها؛ لأن الذنب بعد الذنب يقطع طرق الطاعات، ويصد عن سبل الخيرات، ومن ثم يقسو القلب فلا ينتفع بموعظة ولا يطمئن بذكر، يقول ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
فالحذر الحذر يا عباد الله! من مخالفة أمر الله، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وإياكم والأمن من مكر الله، قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].
فعلينا أن نأخذ أنفسنا من أوحال المعاصي وأن نفكها من أسر الذنوب، وأن نبادر بالتوبة النصوح، وأن نسارع في فعل الخيرات والأعمال الصالحات، ولا نصر على المعاصي والمخالفات، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136].
نحن أمة أعزها الله بالإسلام وحده، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
فنسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة؛ فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويحفظ دعاة الإسلام والمسلمين من كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عائض:
أثابكم الله.
أولاً: هذا العرض الذي تسمعونه وترونه هذه الليلة من التجديد في أساليب الدعوة، فإنه قد يكون من المسُئم الممل أن تعرض المحاضرة في كل مرة بنفس أسلوب العرض الأول.
ثانياً: سوف يكون مساء كل جمعة من المغرب إلى العشاء درس في الفقه، ومن أذان العشاء إلى الإقامة معالم ودروس في فن الخطابة لمن أراد أن يتعلم وسوف يحضر معنا أساتذة متخصصون في هذا إن شاء الله، ونحضر كتباً متخصصة في فن الخطابة حتى يتعود من أراد ذلك إن شاء الله.