كإيمان الأعراب، الأعراب يقولون: كانوا يؤمنون، فإذا رأوا المطر، وأخصب لهم العام، ودرت لهم أغنامهم، قالوا: هذا دين خير، فإذا أتى الجدب والقحط وقلة الأمطار، قالوا: دين شر، فقال سبحانه: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:200 - 201].
الأعراب المعرضون يقولون: أعطنا ما تريد أن تقدمه لنا اليوم، حتى قيل: كانوا يحجون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول الأعرابي: اللهم كثر غنمي، اللهم أدر ضرعها، اللهم أكثر المال.
فيقول له بعض الصحابة: ادع في الآخرة، قال: لا.
الأول هنا في الدنيا.
وخرج أعرابي كما يقول ابن الجوزي: خرج من منى على الحرم، فأسرع سريعاً، ثم دخل من باب الحرم، ثم قفز على أستار الكعبة، قال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس، أي: اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تزدحم عليه الحوائج، ولا تكثر عليه الطلبات، فهو الغني سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث القدسي: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} وهذا يقول: قبل أن يدهمك الناس.
ومنها ما ذكره عليه الصلاة والسلام يوم أعرض عن قوم تربوا على المنافع، تألف قلوبهم، فما جعلهم عليه الصلاة والسلام هم الطليعة، وإنما الطليعة المهاجرون والأنصار، وأهل بدر وأحد، أما الذين أسلموا بعد الفتح، فهم يأتون في المرتبة الثانية؛ لأنهم أسلموا بالإبل والبقر والغنم والمال، أعطى صلى الله عليه وسلم قوماً، وترك بعض الصالحين، ثم قام يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام: {إني لأعطي أناساً لما جعل الله في قلوبهم من الطمع والهلع، وأدع آخرين لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان منهم عمرو بن تغلب -أحد الصحابة-.
وأعطى صلى الله عليه وسلم رؤساء العرب الأموال، وترك الأنصار، فوجد الأنصار في أنفسهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: أما ترضون يا معشر الأنصار! أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ قالوا: رضينا بالله قسماً ونصيباً} أي: رضينا بالله رباً، وبنبي الله رسولاً.