وقال وهب بن منبه في قوم غافلين: ألجأني المطر فدخلت في بيت على قوم جلوس، فرأيتهم في حلقة كبيرة، فقلت: الحمد لله، وفقني الله بجلوس مع أخيار ما بعدهم أخيار، رأيت لحاهم وعمائمهم، قال وهب بن منبه العالم العابد: فلما رأيتهم سمعتهم يتحدثون، قلت: لعلهم يتحدثون في العلم فأستفيد، قال: فإذا هذا يقول: متى أتى ابنك؟ هل أتى بمال؟ ويقول هذا: هل بعت سلعتك؟ ويقول هذا: هل كسبت؟ قال وهب بن منبه: لقد ساء ظني بكم، قالوا: ماذا؟ قال: مثلي ومثلكم كمثل رجل أتى عليه مطر وليل، فرأى باباً مفتوحاً، فظن أن وراء الباب بيتاً، فدخل فهرب من هذا الباب، ثم دخل الباب، فوجد أنه مكشوف إلى السماء، فلما خرج فإذا هو فضاء، قال: فهذا كمجلسي مع مجلسكم، وهؤلاء الذين لا يقربونك من الآخرة، ولا يقصد من ذلك: أن تكون مجالسنا كلها ذكر، لكن أن تكون في المباحات التي لا غيبة فيها ولا كذب.
مر الحسن البصري بفتيان يضكحون يوم العيد، قال: يا فتيان! أجزتم الصراط حتى تضحكون؟! قالوا: لا، ما جزنا، فقال: لا يضحك إلا من تجاوز الصراط.
الحسن البصري لم يكن يضحك، يقولون: كان يتبسم، وقيل له: لماذا لا تضحك؟ قال: كيف أضحك؟! ولعل الله اطلع علي، فقال: اعمل، وعزتي وجلالي لا أغفر لك، أو كما قال.
يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: " عجباً لك يا من تخالف الله كل يوم! الخضر رافقه موسى فخالفه ثلاث مرات، فقال له في الثلاثة: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] أفما تأمن أيها العبد وأنت تخالف الله كل يوم أن يقول الله لك: هذا فراق بيني وبينك ".
فلذلك الحسن يلوم من يضحك ويلهو كثيراً، والضحك مباح، لكن إذا أصبح عادة وبلادة، وأصبح إلفاً وعدم زيادة في الخير، أصبح صاحبه غافلاً عن طريق الهداية.
يقولون: قالوا لعيسى بن مريم عليه السلام، وقد مر بهم وكان ذاهباً إلى المصلى: ألا تلعب معنا؟! -وهو طفل- قال: ما خلقني الله للعب، قال الله عنه: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:12] وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116].
كان بعض السلف إذا واجهوا بعضاً قال: في كم ختمت القرآن؟ كم قرأت اليوم؟ كم سبحت؟ كم صليت؟ ليس من باب الرياء، لكن ليتشجع بعضهم ببعض.