يقول عز من قائل عن العلم النافع: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].
قال جهابذة التفسير: ذكر الله العلم هنا بعد قيام الليل، فكأنه يقول: العلم النافع هو الذي يقيمك تصلي في الليل, أو يجعلك قانتاً خائفاً مخبتاً, منيباً خاشعاً, ناسكاً زاهداً؛ فهذا هو العلم النافع: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} [الزمر:9] ثم لم يعقب الله تعالى بأنه أعد لهم جنات النعيم، ولا قال: وقوا عذاب النار -وهم يوقون النار إن شاء الله- ولكن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] فكأنه لما ذكر النسك عقب بالعلم النافع، ونأخذ من الآية أن العلم الأصيل هو الذي يحمل العبد على خشية الله وعلى الإنابة إلى الله والزهد في الدنيا, وعلى التقرب بالنوافل إلى الله، وإلا لو لم يكن علماً أصيلاً ما ذكره الله عز وجل بعد قيام الليل, فكأن معنى الآية: لا يستوي الذي يعلم فيقوم الليل ويتهجد لله، مع الذي لا يعلم فلا يقوم الليل ولا يتهجد لله.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] أثر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا قرأ هذه الآية بكى طويلاً وقال: [[ذلكم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه]] لكن لا تختص الآية بـ عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وإنما المعنى هذا واحد من ذلك الجنس, الذي ذكر الله، يقول حسان رضي الله عنه وأرضاه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
وفي كتاب المروزي بسند صحيح أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه قام ليلة كاملة من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر بركعة واحدة, قرأ فيها القرآن كاملاً: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} [الزمر:9] ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] إذاً الفائدة من هذه الآية: أن العلم النافع يقودك إلى الخير, والعلم الضار لا ينفعك ولا يقربك, ولا يجعلك تحذر الآخرة، ولا ترجو رحمة الله، ولو حفظ الإنسان من المتون ما حفظ، وحفظ الصحاح والمسانيد والسنن ثم لا يتقرب إلى الله ولا يخشى الله ولا يراقب حدود الله فما هو بعالم، بل هو جاهل بلا شك.