ومثل آخر لرجل ظن أن العلم الدخيل علمٌ أصيل: دخل عمر رضي الله عنه المسجد النبوي في المدينة، فإذا برجل يقص على الناس من كتاب دانيال، وهو كتاب قديم فيه خزعبلات وخرافات وكذبات، ونطحات عن الأحياء والأموات، ما فيه علم ولا أصالة, يا عجباً! حتى في حياة عمر يظن أنه سوف ينشر مثل هذه الخزعبلات، فجمع الناس في المسجد وأتى يقص عليهم من هذا الخبر الذي يوجد في مثل كتاب بدائع الزهور ووقائع الدهور، ذلك الكتاب الخرافي الخزعبلي المارد الذي ليس فيه علم، إنما فيه كذب من رأسه إلى أخمص قدميه، فقال عمر: ماذا يقول هذا؟ -وأنتم تعرفون أسلوب التفاهم مع عمر رضي الله عنه- فقالوا: يقص علينا من كتاب دانيال فرجع عمر وذهب إلى بيته وأحضر عصا معه حتى يخرج القصص من رأسه حتى لا يقص مرة ثانية، ثم تخطى الصفوف, وجعل العصا وراء ظهره رضي الله عنه حتى تقدم إلى المنبر, ثم أخذ الرجل بتلابيبه وأوقعه في الأرض، وكان عمر جسيماً عملاقاً من دهاة الناس في جسمه وعلمه وزهده، ثم أخذ يضرب في الرجل وهو يقول: يا كذاب! الله يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص على الناس من كتاب دانيال، فهذا الرجل مثل لمن ظن أن العلم الدخيل علم أصيل، فإنه أدخل الخزعبلات في العلم الأصيل.