قال عليه الصلاة والسلام: {آمُرُكم بأربع، وأنهاكم عن أربع.
آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا خُمُس ما غنمتم.
وأنهاكم عن الدُّبَّاء، والنقِير، والحَنْتَم، والمُزَفَّت، احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم} رواه البخاري ومسلم وأبو داوُد والترمذي والنسائي عن ابن عباس، وهو حديث صحيح.
سبب الحديث:
وفَدَ قوم من عبدُ قيس من الأحساء، وهذه من أعظم الوفود عند العرب، وفَدوا عليه - عليه الصلاة والسلام - من الأحساء وكانت تسمى البحرين، فإذا أطلقت البحرين في الحديث، فالمقصود بها الأحساء لا البحرين هذه التي عاصمتها المنامة.
فوصلوا إليه - عليه الصلاة والسلام - وفيهم أشج عبد القيس، فلَبِس أشجٌّ هذا وهو أحدهم لباساً طيباً، وتطيَّب، فقال له عليه الصلاة والسلام: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحِلْمَ، والأناة قال: أَتَخَلَّقْتُ بهما يا رسول الله؟ أم اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟ قال: الله جَبَلَك عليهما.
قال: الحمد لله الذي جَبَلَني على خُلُقَين، أو صِفَتَين، يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم: مَن القوم؟ قالوا: عبد قيس.
قال: مرحباً بالقوم، غير خزايا ولا ندامى}: خزايا: جمع خَزْيان، وندامى: جمع ندمان، يقول: لا تخزون في الدنيا ولا تندمون في الآخرة.
معاني المفردات:
قالوا: مُرْنا بأمر.
قال: {آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع} اسمع الجمال والأسلوب، واسمع الكلمات الحية التي أحيت شعوباً وأجيالاً.
قال: {آمركم بالإيمانُ بالله وحده} هذا يسمى لَفّ ونَشْر عند أهل البلاغة، لا يستطيع اللَّفِّ والنَّشْر إلا محمد عليه الصلاة والسلام يلُفُّ العبارة ويجملها، ويقول: {أوتيتُ جوامع الكَلِم} اخْتُصِر لي الكلام اختصاراً وأوتيتُ فواتحه وخواتمه، فهو أفصح من نطق بالضاد، الآن يلُفُّ، ويقول: {آمركم بالإيمان بالله وحده} هذا لَف ونشر.
{أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده؟} ويسمي هذا أهلُ الصحافة: الموجز والتفصيل، فإذا قرأ مذيع الأخبار قال: كان هذا هو الموجز، وإليكم تفصيل الأنباء، وأهلُ العربية من السلف يقولون: اللَّف والنشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يلُف، ويقول: هذا هو الموجز، وإليكم التفصيل.
قال: {أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان} ولم يذكر الحج، لماذا؟ قيل: لأن الوفد أتى قبل أن يُفْرض الحجُ من السماء.
{وأن تؤدوا خُمُس ما غنمتم} من المغانم، تؤدوها لبيت المال.
{وأنهاكم عن الدُّبَّاء} الدُّبَّاء: القَرْع، إذا جُوِّفَ القَرْعُ، وأُخِذَ ما بداخله، فقد كانوا يأخذون أسطُل القَرْع، وبيوت القَرْع، وآنية القَرْع، فيجعلون فيها زبيباً وشعيراً وبراً فتتحول إلى خمر وتتخمَّر فيها.
{والنَّقِير} كانوا ينْقُرون عضو الشجرة فيجعلون فيها الخمر.
{والحَنْتَم} وكذلك الحَنْتَم، قالوا: القارّ، أو الزِّفْت، يصبغونه فيصبح أدوات فخار.
{والمُزَفَّت} يطلونه بالقارّ، ولكن الصحيح عند الإمام أحمد وغيره من المحدثين أن هذا منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اشربوا في كل شيء، ولا تشربوا مسكراً}.
فلك أن تشرب في هذه دون أن تشرب مسكراً، فإن المسكر محرم.
قال: {احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم}.
وصلى الله على محمد، وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
والله الموفق.