الحياء

وَرَدَ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت} حديث صحيح، رواه ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري.

وفي هذا الحديث مسائل:

أولاًَ: ما هو الحياء؟

الحياء الصحيح: ما صدك عن المحارم، وهذا حياء واجب.

وما صَدَّكَ عن المكروهات فهو حياء مستحب، وبعضهم يوجبه.

أما الذي يصدك عن طلب العلم وعن الأمور النافعة، والتحصيل، والسؤال الذي فيه النفع، فليس بحياء، لكنه خجل، وهو حياء مذموم.

ولذلك يقول مجاهد في صحيح البخاري، موقوفاً عليه: [[لا يطلب العلم مستحٍ ولا مستكبر]].

ومَرَّ عليه الصلاة والسلام على رجل من الأنصار - كما في صحيح البخاري - وهو يَعِظُ أخاه في الحياء، قال: {دَعْهُ، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير}.

ثانياً: الحياء خير كله:

وخاصة إذا كان في شرف الأمور، يَصُدُّ عن خوارم المروءة والمعاصي.

وصح عنه - عليه الصلاة والسلام - عند الترمذي أنه قال: {البَذاء، والبيان شُعْبَتان من النفاق، والعَيُّ والحياء شعبتان من الإيمان} وقد شرح هذا الحديث ابن رجب في كتاب مستقل.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى} أي: آخر ما حُفِظ من كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وميراثهم هذه الجملة: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ} وفي هذه العبارة معنيان لـ أهل السنة:

المعنى الأول: يقول: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ}: أي: إذا خلعت جلباب الحياء؛ فلك أن تفعل ما شئت من المعاصي وخوارم المروءة، بمعنى: إذا لم تستحِ من الناس ولا من الله قبل الناس؛ فاصنع ما بدا لك فقد ذهب الحياء عنك.

والمعنى الثاني: يقول: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ} أي: إذا كان هذا الأمر لا يدعو إلى الحياء منه فاصنعه؛ فإنه مباح لك.

أي: إذا كان هذا الأمر ما عليك حرجٌ منه، ولا تستحي أن تصنعه، وليس عليك لائم ولا حرج من الناس ولا عَتَب فافعله.

والمعنى الأول هو الصحيح.

قال الشافعي:

فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ

إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ

وقيل لـ سهل: ما هو الحياء؟ قال: أن تستحي من الرقيب.

وقال بعضهم: أن تجعل بينك وبين الله رقيباً، وهي درجة الإحسان التي وصفها - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، قال: {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.

وقد بلغ ببعض الصالحين أنه ما كان يتعرى وحده حياءً من الله.

وعند أحمد في (المسند) بسند صحيح: أن معاوية بن حَيْدَة قال: {يا رسول الله! إذا كان أحدنا وحده، هل يكشف عن عورته؟ قال: الله أحق أن يُسْتَحْيَا منه}.

وصح عند الترمذي عن ابن مسعود: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: {يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء؛ فإن حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكر البِلى ترك زينة الحياة الدنيا}.

والحياء خير كله، وقد رد عمران بن حصين على عبد الله بن سلام، أو كعب الأحبار لما عارضه في ذلك، وقال: [[إني قرأت في التوراة أنَّ مِنْه جُبْناً وأنَّ مِنْه خيراً]] قال: [[أحدثك عن الرسول عليه الصلاة والسلام وتحدثني عن صحفك؟]] {الحياء خيرٌ كله}.

والمعنى: الحياء المطلوب النافع، أما الخَجَل والخَوَر والجُبْن، فهذا ليس من الحياء، بل هو يصد عن طلب العلم وعن المسألة لأهل العلم، والاستفادة.

قوله -عليه الصلاة والسلام-: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ}: ما معنى النبوة الأولى؟ النبوة الأولى: هي ما قبل نبوته عليه الصلاة والسلام فإن قبله أنبياء، وكان يُوْرِد صلى الله عليه وسلم بعض الكلمات منهم، وكان يأخذ بعض الآداب من شرائعهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015