يقول عليه الصلاة والسلام: {آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحد قبلك} حديث صحيح، رواه الإمام أحمد ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه.
في الحديث مسائل:
أولاًَ: قوله صلى الله عليه وسلم: {آتي باب الجنة} معناه: في يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فيفصل بينهم في القضاء، يأتي صلى الله عليه وسلم في ذاك اليوم، وذلك من عقيدة أهل السنة.
ثانياً: وفيه: أن أول من يدخل الجنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: وفي الحديث: أن للجنة أبواباً، وقد صح عند البخاري وغيره: أن للجنة أبواباً ثمانية، وأبواب النار سبعة، نسأل الله أن يدخلنا من أبواب الجنة.
وكما في الحديث الصحيح: {بين المصراعين -من مصاريع الجنة- كما بين صنعاء وأَيْلَة -وصنعاء عاصمة اليمن , وأَيْلَة هي بيت المقدس - وإنه ليأتي عليه يوم وهو كَضِيْضٌ من الزحام}.
وتساءل العلماء: هل هناك أبواب داخلية في الجنة غير الأبواب العامة الكبرى.
والصحيح: أن هناك أبواباً داخل ملك العبد في الجنة.
قوله صلى الله عليه وسلم: {آتي باب الجنة} قلتُ: أول داخل الجنة هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أنه متأخر في البعثة؛ ولكن الله شرفه، فجعله أول من يدخل، ثم يدخل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على مراتبهم.
وتساءل الإمام ابن القيم في الجمع بين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله؛ إلا برحمة الله}.
فالجواب الصحيح باختصار: أن دخول الجنة أولياً لا يحصل بالعمل، وإنما هو برحمة أرحم الراحمين، ومن لا تدركه رحمة الله لا يدخل الجنة، وأما النزول في منازل الدرجات في الجنة فبالأعمال، وهذا على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أبواب الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73] ويقول في أبواب النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] زاد الواو في أبواب الجنة؛ لأنها هيئت فتحاً قبل أن يصلوا إليها، وهذا من تكريم الله لأهل الجنة، ففتحت الأبواب قبل أن يصلوا إلى الجنة، وأهان أهل النار، فتركهم ينتظرون عند الباب، فلا تفتح حتى يصلوان، وهذا من الإهانة.
ولله المثل الأعلى، يقولون: الكريم يفتح أبوابه للضيافة من قبل أن يأتي الضيف، واللئيم لا يفتح الباب حتى يُطْرَق عليه طرقاً مخيفاً مزعجاً.
ولله المثل الأعلى.
فأبواب الجنة من ذي قبل مفتوحة، وهذه يسمونها: الواو التي تزيد المعنى، فإنهم يقولون: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] الأصل في العربية: وهم يصرخون فيها، فزاد {يَصْطَرِخُونَ} من باب زيادة المبنى لزيادة المعنى.
وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:23] والعربية تقول في التخفيف: وأغلقت الأبواب؛ لكن زيادة في المعنى.
وأنا لا أقصد من هذه الدروس الأحكام؛ لكن أن تكون مساراً إن شاء الله للصحوة الإسلامية المباركة في المعتقد، وفي العبادة، والسلوك، والأخلاق، والعمل، والدعوة؛ حتى يكون الإنسان على بينة وعلى ضوابط من الكتاب والسنة.
والله الموفق.