أما القضية الأولى: فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (تصدقن) فيا معاشر المسلمات! الخطاب لكن أولاً، ثم أنتم يا رجال الإسلام! ويا أبناء لا إله إلا الله! ويا أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم! تصدقوا.
ما هي الصدقة؟
الصدقة لا حد لأدناها أو لأعلاها، أما أدناها فالبسمة، والكلمة الطيبة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأما أعلاها فاسمع إلى الله وهو يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والصدقة تطفئ الخطيئة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا تصدق المرء المسلم من كسبٍ طيبٍ ولا يقبل الله إلا طيباً، فإن الله يتقبله بيمينه ثم يربيه لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون كـ جبل أحد}.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل منكم في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس} إلى غير ذلك من الأحاديث، ومنها ما في الصحيحين كقوله صلى الله عليه وسلم: {ما أصبح الصباح إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً}.
وهي أنواع: أعظمها وأجلها الصدقة بالعلم، كما قال ابن القيم، ثم الصدقة بالنفس، بأن تسكب دمك في سبيل الله، وتبيع روحك من الله.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ
ومن الجود: الجود والصدقة بالوقت، تجد بعض المحسنين الصالحين صرف وقته للمسلمين، ليله ونهاره، لا راحة ولا نوم، كله للمسلمين حتى يقول ابن القيم مستشهداً: بعض العرب من كرمه يكرم ضيفه، فإذا تعشى الضيف قال له: أتريد أن تسمر سمرنا معك، أو تريد أن تنام نمنا، فإن قال الضيف: نسمر سمر معه وبذل وقته له، ثم قال:
متيمٌ بالندى لو قال صاحبه هب لي فُديت كَرَى عينيك لم ينمِ
يقول: لو طلب نومه من عينيه ما نام من كرمه أبداً، ويقول الأول:
أحادث ضيفي وهو يقظان ساهر وعلمي به أن سوف يهجع بعدها
يقول: أحادثه وهو سهران وأنا متعب، لكنني لا أريد أن أنام حتى ينام هو، وهذه صفة أهل الشيم والمروءة: الجود بالأوقات.
ومنها: الجود بالأموال، فلا ترى حاجة إلا تفعل ذلك فيه، وإنما خص عليه الصلاة والسلام المرأة بالملاحظة عليها في كثرة الصدقة؛ لأن من النساء بذيئات، يكثرن اللعن والسب والشتم، وهي خطايا ولا يطفئ الخطايا إلا الصدقات، فنبه عليه الصلاة والسلام المرأة على أن تتصدق من جلبابها أو ثيابها، أو ذهبها، أو مالها، أو معروفها، وسوف تلقى ذلك كله عند الله تبارك وتعالى.
دخلت امرأة معها ابنتان -والحديث في صحيح مسلم - على عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألتها حاجة، فبحثت عائشة فلم تجد في البيت شيئاً غير ثلاث تمرات، -في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشر، وهادي الإنسانية، وماذا تفعل ثلاث تمرات مع امرأة وابنتين؟ لكن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] فقامت فسلمتها التمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، وأرادت أن تأكل الثالثة ثم قسمتها بين ابنتيها، فتعجبت عائشة من رحمتها! ثم خرجت المرأة، فأتى صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة بالقصة، فقال عليه الصلاة والسلام: {من ابتلي بابنتين من هذه البنات فأحسن تربيتهن وأدبهن وزوجهن فهو رفيقي في الجنة} رفيق محمد عليه الصلاة والسلام في الجنة، فمن شاء أن يفعل فليفعل، ومن شاء طريق الجنة فعليه أن يربي بناته في الإسلام تربية إسلامية، هذا شأن الصدقة الذي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.