يقول: {قلت: يا رسول الله -في الحديث السابق- دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار} هل تعلمون سؤالاً أعظم من هذا؟ من الذي يستطيع أن يسأل سؤالاً أحسن من هذا السؤال؟ عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار، واسمعوا إلى معلم الخير وأنصح الناس للناس، وأصدق الناس مع الناس، وأفضل الناس قاطبة فيما يسمعون من كلام الناس، محمدٌ صلى الله عليه وسلم، طبيب القلوب، والناصح للأمة، والصادق فيما بلغه من الله تبارك وتعالى.
فقال صلى الله عليه وسلم وهو يستعرض أمور الإسلام، لأن هذا الدين ليس ألغازاً، وليس أحاجي ولا مشكلات، إننا لن ندخل الجنة بالمؤهلات العلمية ولا بالدور ولا بالقصور ولا بالأشجار، ولا بجري الأنهار، إنما ندخلها بالصدق مع الله وبالعمل الصالح، وبالتقوى، وكما وصفها صلى الله عليه وسلم لـ معاذ، وقضية شرح الإسلام للناس، أو طرح مسألة الإسلام للناس لا يحتاج إلى تكلفات في التعبير، أو فلسفة، أو منطق، إنه أسهل من الماء البارد الذي نشربه، وأسهل من الهواء الذي نستنشقه.
أتى أعرابي من الصحراء يريد طريق الجنة، يريد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعرابي من البادية، لم يسجد لله سجدة، ولا ركع لله ركعة، فجاء الأعرابي بجمله وعقله في طرف المسجد -وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يعرض الإسلام على الناس، لا كما يعرض الإسلام الآن صعباً شائكاً، إنما هو سهل ميسور لمن أراد الله والدار الآخرة- فعقل هذا الأعرابي الجمل، ثم تخطى الصفوف، يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول للصحابة: أين ابن عبد المطلب؟ يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يسميه بجده؛ لأنه أشهر في العرب من أبيه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام:
أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب
في حنين - فيقول الصحابة: ذاك هو الرجل الأبيض، الأمهق المرتفق، أي: المتكئ، فيتقدم الأعرابي.
واسمعوا إلى أسئلة عن الإسلام، واسمعوا لحسن العرض منه عليه الصلاة والسلام، ولحسن السؤال، ثم لحسن الجواب منه صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا محمد! قال عليه الصلاة والسلام: لبيك! قال: إني سائلك فمشددٌ عليك في المسألة قال: سل ما بدا لك.
فقال الأعرابي: يا محمد من رفع السماء؟ قال: الله! قال: من بسط الأرض؟ قال: الله! قال: من نصب الجبال؟ قال: الله! قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان عليه الصلاة والسلام متكئاً، فجلس وتربع -لأن هذا أعظم سؤال عرفته البشرية، وهذا أكبر سؤال وقع على البسيطة منذ خلق الله الخليقة إلى اليوم- فقال عليه الصلاة والسلام، وقد احمر وجهه من عظم
Q اللهم نعم.
قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، ثم أخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام؛ فرفع يده، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، ثم ولى، وفك عقال جمله وذهب، فتلفت صلى الله عليه وسلم إلى الناس وهو يتبسم، ويقول: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} وفي رواية: {أفلح الرجل ودخل الجنة إن صدق} أي: صدق مع الله، هذه هو دين الإسلام في سهولته ويسره الذي عرضه صلى الله عليه وسلم على الناس.