وهو عليه الصلاة والسلام الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة المسلوبة المنهوبة المظلومة, فرفع رأسها بين الرءوس, وبنى منبرها بين المنابر, بل أعلى منارتها على كل المنارات.
من هي الأمة العربية؟! من نحن قبل البعثة المحمدية؟! من نحن يا عرب؟! يا عروبة! من نحن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام؟! كنا رعاة غنم, لا مجد.
لا تاريخ.
لا حضارة.
لا ثقافة.
لا معرفة.
الهند لهم حضارة, اليونان لهم ثقافة, والصينيون لهم تاريخ, أما نحن فرعاة إبل وبقر وغنم.
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
فأخرجنا من الجزيرة العربية لا أنهار.
لا حدائق.
لا بساتين.
أخرجنا بلا إله إلا الله؛ لنسكن على ضفاف دجلة والفرات , وفي مصر أرض الكنانة، أرض النيل , وفي الشام أرض الخضروات والفواكه والغوطة، وما أدراك ما الغوطة؟! وفي صنعاء اليمن أرض البن وأرض الزهراوات وأرض الورود, وفي إشبيليا وقرطبة، وفي الزيتونة وقرطاجة , وفي السند وتركستان , وفي طاشقند وفي كل البلاد أسكننا هناك بلا إله إلا الله.
أتى عليه الصلاة والسلام والله يقول لنا: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] كانوا في ضلال ما بعده ضلال, أتى إليها عليه الصلاة والسلام، إلى هذه الأمة وهي ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة, صحراء الجوع والظمأ واليأس, فأخرجها بلا إله إلا الله إلى الدنيا وأسمعها بلا إله إلا الله مشارق الدنيا.
أخرج عليه الصلاة والسلام هذه الأمة بلا إله إلا الله من النهب والسلب والتشريد والفتك, إلى الإخاء والحب والوئام والصفاء.
وهدمت دين الشرك يا علم الهدى ورفعت دينك فاستقام هناكا
كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء
إنما مثل صفاتك للنا س كمثل النجوم للماء
كانت هذه الأمة أجدادنا يا عرب.
أمة تأكل الميتة, وتعاقر الخمر, وتعبد الصنم, وتطوف بالأوثان, فجعلها بلا إله إلا الله أمة تخطب في الحرمين , والأزهر , بنينا الأزهر عمره ألف سنة, وخطبنا من على الأزهر، وتكلمنا من على منبره.
والزيتونة! دخل أجدادنا تونس والزيتونة فبنوا جامعة الزيتونة , ودخلوا قرطبة في الأندلس , والأموي في دمشق , وصلَّوا في كابل وفي جامع صنعاء وصحراء سيبيريا وفي بغداد , وفي كل شبر من أشبار الدنيا التي ذكرت الله, قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].