إذا رأيت المتكثر من الثقافة العامة والخاصة قد أصبح ذهنه سلة للمهملات، يحفظ الأرقام والمعلومات والألفاظ، ثم لا يظهر عليه نور من العلم، ولا أصالة ولا تأثير في معتقده وعبادته وسلوكه؛ فاعلم أن علمه شؤم عليه، وغضب ولعنة إلا أن يتوب الله عليه.
يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] ويقول في عالمهم بلعام بن باعوراء -العميل المتخلف الذي طلب العلم ثم تركه وألحد في دين الله- قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176].
فإن الكلب إذا وضعته في الشمس يمد لسانه ويضيق نفسه ويلهث، وإذا أدخلته في الظل يمد لسانه ويتردد نفسه ويلهث، والخبيث في أصالته وفي قلبه يتعلم ولا ينتفع، فنعوذ بالله من هذا المثل الشؤم على كل من فعل هذا أو زاوله أو فكر فيه أو أراده.
ويقول الله عز وجل في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] والحمار حمار.
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
ومهما تعلم أو حمل من الكتب فعقله هو عقله لم يتغير، فنعوذ بالله من هذا المثل.
إخوة الإسلام! هذه مسألة لا تغيب عن البال، وقد اتفق العقلاء من المؤمنين أن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، والله عز وجل يجعل من عمل الإنسان ولو بجهده الميسور زيادة في الخير والفضل والنبل.