وممن عاش مرحلة الابتلاء في تاريخ الإسلام شيخ الإسلام المجاهد الكبير ابن تيمية رحمه الله، فإنه ابتلي في عرضه بالتهم الرخيصة التي لا مصداق لها ولا حق، وابتلي بالسجن، فدخل السجن؛ لأنه يدعو إلى لا إله إلا الله، وإلى تصحيح المعتقد، وإلى الخروج بالناس من الظلمات إلى النور، فلما أدخل السجن رد عليه الباب، فالتفت إلى البواب وهو يوصد عليه قائلاً {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] دخل على سلطان عصره، السلجوقي، فقال له السلطان: يا بن تيمية يقول الناس: إنك تريد ملكنا، فتبسم ابن تيمية تبسم المستعلي بلا إله إلا الله، الذي يريد ما عند الله والدار الآخرة، والذي ينظر إلى أن الدنيا رخيصة لا تساوي مجلس نصف ساعة في المسجد، وقال: أنا أريد ملكك؟! قال: يقولون ذلك، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً واحداً! تظن أنني أسعى إلى ملكك، ونحن نسعى إلى تقرير لا إله إلا الله في الأرض، لتبقى حية أَبَدَ الدهر، ولذلك بقيت كتبه، وبقيت معالمه، وبقيت مدرسته حية في قلب كل مسلم، وما عرفنا اسم السلطان إلى اليوم.
رفع الله ذلك العلم، وكان وحيداً لأنه يعبد الله، وأما السلطان بموكبه وجنوده وحاشيته فأخفت ذكره، فلا نعرف اسمه وللأسف، لأن هذا الابتلاء عاشه ابن تيمية لوجه الله تعالى، واحتسب، وأنا قلت لكم إن من ثمار الابتلاء الرفعة، ولا تجد مبتلاً صبر واحتسب إلا رفع الله ذكره، وأعلى شأنه، فأصبح يذكر أبداً بالدعاء والثناء.
ومن الفوائد العظيمة للابتلاء لذة الانتصار، فإن الله عز وجل أقر عيون الصحابة بعد أن كانوا مستضعفين بالنصر، وما أحسن من الإنسان أن يجاهد ويبذل، ويعطي ثم ينتصر في آخر المرحلة.