قد يرزقك الله أعضاء تتمتع بها، وقوةً وحيوية وطاقة ونشاطاً، لكن له حكمة أن يسلب عنك القوة.
ذكر أهل العلم وأهل السير والترجمة في سيرة عروة بن الزبير بن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، عروة الذي هو أكبر راوية في كتب الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الذي ذكروا عنه أنه كان يختم القرآن في أربعة أيام، وأنا لا أقف عند أربعة أيام، لأن الأولى الختم في سبعة أيام كما في حديث ابن عمرو، لكن الشاهد قوة العبادة والإقبال على الله عز وجل، فأراد الله أن يرفع درجته عنده، فكتب عليه ابتلاء.
فقد سافر عروة بن الزبير إلى الشام وبينما هو في الطريق أصابته آكلة في رجله، فاجتمع عليه الأطباء، وقالوا: نقطع رجلك من القدم، فقال: أصبر وأستأني، فدخل المرض إلى ساقه، فقالوا: نقطعها من الساق، قال: أصبر وأستأني، فدخل المرض إلى الفخذ، فقالوا: مالك من حل إلا قطعها وإلا متَّ، قال: الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا لا نقطعها حتى نسقيك كأساً من الخمر، قال: يا سبحان الله! عقل منحنيه ربي أذهبه بكأس من الخمر، لا والله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي فاقطعوها، فتوضأ واستقبل القبلة، وبدأ في صلاته ينادي رب العزة تبارك وتعالى، وهو يحلق بروحه مع تلك الآيات البينات، فتقدم إليه الأطباء بالمناشير، فقطعوا رجله، فلما غلبه الوجع سقط مغشياً على وجهه، وبعد ساعات استفاق، فقالوا: أحسن الله عزاءك في ابنك، رفسته دابة الخليفة فمات، يا سبحان الله!! في هذه الفترة، فترة الإغماء رفست ابنه دابة الخليفة فمات.
انظر المصائب كيف تحدث، وانظر إلى ألطاف الله وحكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القضاء والقدر، ماذا قال؟ قال: الحمد الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد -لكن انظر إلى الذي يذكر النعم- إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء، وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء فأخذت عضواً واحداً فلك الحمد ولك الشكر، ثم قال:
لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني فكري إليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتى قبلي
رجع محتسباً إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأنه الذي قدر.