تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره

الأمر الرابع من لوازم الحب: تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره، ثبت في صحيح مسلم وفي غيره من كتب الحديث: {أن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله -وفي لفظ: لا تمنعوا النساء المساجد، وفي لفظ وهو لفظ الصحيح: إذا استأذنت امرأة أحدكم لتصلي في المسجد فلا يمنعها- فقام ولده بلال وكان عنده زوجة وقال: والله لنمنعهن أن يتخذن المساجد دخلاً -الدخل أي: المفسدة، أو كما قال- فغضب ابن عمر فسبه وجدعه وشتمه وقال: والله لا أكلمك فترة الحياة، أو قال: لا أكلمك حتى ألقى الله، فاستمر ابن عمر هكذا حتى تدخل كثير من الصحابة، ومن أولاد الصحابة عله يراضي ابنه، أو يعود إلى ابنه، فرفض أبداً، حتى أنه في مرض الموت رضي الله عنه، أتاه ابنه بلال وهو صالح، وفيه خير لكن زلت منه تلك البادرة السيئة فكان يسترضي أباه، فكلما أتى أباه من جانب، حول أبوه وجهه إلى الجانب الآخر، ثم مات ولم يكلمه أبداً}؛ لأنه عارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد للصلاة فلا يمنعها} أو: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} فأعرض عن ذلك وهو مجتهد مخطئ، متأول في ذلك الباب؛ لأنه رأى المفسدة في إجابة طلبهن والمصلحة في منعهن، فأراد من هذا الجانب، أن يمنع، وقصده صحيح لكنه أخطأ في رد الحديث، فمنعه أبوه من الكلام وهجره حتى مات، ولذلك يقول الإمام مالك: "كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ويشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم".

فكل أحد لك أن ترد عليه، ولك أن تستدرك وتحتج عليه، ولك أن تؤول كلامه، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فليس لك ذلك أبداً، ولا يجوز ولا ينبغي وليس بوارد.

ويقول الإمام الشافعي: "إذا وافق كلامي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوه، وإن عارض فخذوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي عرض الحائط".

والأوزاعي يقول: "ما أتاك من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو العلم، وما أتاك من غيره فألقه في الحش".

الحش: بيت الخلاء، وهذه مقولة مأثورة عن الإمام الأوزاعي، وصحيحة السند إليه.

وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه إليها خاصة من يطلب العلم، أو من يريد عبادة الله عز وجل على بصيرة، أو من يريد مطالعة كتب السنة، خاصة الفقه الإسلامي، فإنه ينبغي أن يعول على الدليل، فعلم بلا دليل إنما هو إنشاء وتعبير، وإنما هو مجرد كلام، لكن المطلوب أن تقرن كل مسألة بدليل، يقول ابن تيمية في الفتاوى: "على طالب العلم أن يسند كلامه إلى دليل، من المعصوم صلى الله عليه وسلم وأن يعتصم به، فإذا استقر في ذهنه أن هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو المراد من كلامه صلى الله عليه وسلم"، فلا ينبغي أبداً أن يعول على كلام غيره مهما كان.

ولذلك فالفقهاء رضوان الله عليهم، إنما استنبطوا وأرادوا توضيح بعض المسائل، والشرح والبسط، وما أرادوا أن يشرعوا، الذي يشرع هو محمد صلى الله عليه وسلم، والفقهاء كلهم ينادون - أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك رضوان الله عليهم- ينادون، باتباع السنة، لكن كذلك نستضيء بأقوالهم ونستفيد من استنباطاتهم في بعض المسائل الشائكة، أما أن نأخذ كلامهم بدون دليل، أو بدون مستند من آية أو حديث، فهذا ليس بصحيح وليس بعلم وهذا منهج خاطئ وغلط، فليتنبه الإنسان وليقرن بين الحديث والفقه في استنباط المسائل وفي عبادة الله عز وجل، وفي استخراج الفوائد.

ومن أحسن مناهج العلماء في ذلك، منهج ابن تيمية المجدد الكبير شيخ الإسلام، فإنه قرن بين الدليل وبين الفقه، ومنهج ابن القيم، ومنهج النووي وغيرهم من العلماء وابن كثير رضوان الله عليهم وأرضاهم، أما الذين يريدون أن يجعلوا هناك تقيداً بمذهب دون النظر إلى الأقوال الراجحة، أو الأدلة، أو الأقوال المعارضة، أو الناسخ والمنسوخ فهذا ليس بصحيح، فليتنبه له.

هذه لوازم حبه صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015