وأما المسألة الخامسة والعشرون: فالنهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر: يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود: {لا تصحبُ الملائكة رفقة فيهم كلبٌ ولا جرس} فهذان منهي عن استصحابهما في الأسفار، فما بالك بالذين يربون الكلاب ويغسلونها بالماء والصابون ويضعون الميداليات في نحورها، ثم يركبونها في المرتبة الأولى، وأهلهم في المرتبة الثانية، وهؤلاء هم الذين طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، فهذه طباع الكفار، وقد تنتقل هذه العادات بالمشابهة.
يقول الأستاذ محمد قطب: نحن قوم مقلدون، لو وضع أحد الإنجليز حذاءه على رأسه؛ لأصبح في المشرق بعد ثلاثة أيام قوم يضعون أحذيتهم على رءوسهم، فيُخشى أن ينقلوا الكلاب ويغسلونها، ثم يستصحبونها في السفر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن استصحاب الكلاب والجرس، وما في حكمه من النواقيس والأدوات وآلات اللهو والطرب والدف والمزمار والموسيقى، فهذه منهي عن استصحابها في الأسفار، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم.
وأعظم ما يذكر به السفر القدوم على الله عز وجل، فالمسلم يتذكر أنه بانتقاله من بلد إلى بلد، أنه مسافر إلى الله عز وجل، وأن هذه الدار لا قرار فيها، فقبحاً لها من دار، فإنها تنغص بقدر ما تسر، وكلما تم فيها شيء تنغص، ولا يرتفع فيها شيء إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يضعه، فليس للعبد مستقر إلا في الجنة، فحيهلاً:
فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهبٌ والمسك تربتها والزعفران حشيش نابتٌ فيها
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على سفرنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يزودنا بزاد التقوى، وأن يجعلنا من المعتبرين المتذكرين المتفكرين، وأن يجعلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الذي اتبعوا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأن يجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا، وأن يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.