المسألة الثامنة عشرة: دعاء الرجوع من السفر: صح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أطل وأفل من سفره قال: {آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وكان يكبر عليه الصلاة والسلام وهو عائد، وكان من هديه أنه يُستقبل بأطفال المدينة، فيستقبلونه عند المشارف، ولذلك اختلف العلماء في قولهم:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
متى كان؟ وقد تكلم ابن حجر عن هذه متى كانت؟ هل هو في قدومه من مكة إلى المدينة في الهجرة، أم من رجوعه من تبوك، وكأن ابن القيم والداودي المحدث رجحا أنه عند رجوعه من تبوك عليه الصلاة والسلام، ولكن لا يهمنا هذا وهذا، إنما كان عليه الصلاة والسلام يستقبل بالأطفال، فربما أركب بعضهم أمامه وخلفه، وقبلهم عليه الصلاة والسلام ودعا لهم.
ولما دخل ونظر إلى أحد قال: {هذا أحد جبل يحبنا ونحبه -وفي رواية- وهو من جبال الجنة} وقال: {هذه - للمدينة - طابة} عليه الصلاة والسلام.
فدعاء الرجوع من السفر وارد، وفي حديث صهيب رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أردنا أن ندخل قرية: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، نسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وخير سكانها، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر ما فيها وشر سكانها} وقد تُكلم في سند هذا الحديث، لكن هذا في باب الفضائل، فإنه إذا أتى الحديث في الفضائل تسهل فيه ما لا يتسهل في الحلال والحرام، وهذه الكلمة ذكرها ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه رحمه الله، وهي كلمة للإمام أحمد ثبتت عنه، أنه قال: إذا أتى الحديث في الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتى في الفضائل تساهلنا.
وقد يفهم بعض الناس أن التساهل في أحاديث الفضائل معناه: أننا نتساهل حتى نجعل بعض الأمور مستحبة بأحاديث ضعيفة، وهذا ليس بوارد، لكن معنى كلام الإمام أحمد وابن تيمية رحمهم الله أن الفضائل ما كان لها أصلٌ في الدين يعضدها، فإن الذكر أمر الله به في الكتاب، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أتى حديث في فضل الذكر، فلا نقف عنده وندقق كما ندقق في الحلال والحرام؛ لأن للذكر أحاديث وآيات تسندها وتعضدها، وتبين أن لها قاعدة في الإسلام.
كحديث من دخل السوق فقال: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتبت له ألف ألف حسنة، ومحيت عنه ألف ألف سيئة} هذا حديث ضعيف، لكن ابن تيمية أتى به في الكلم الطيب، وسكت عنه، فلما أتى الأستاذ الأجل الشيخ الألباني، حذف هذا الحديث على قاعدته، وهو موفق ومن أنصار السنة جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء؛ لأن الحديث علىقاعدته ضعيف حتى في الفضائل والأذكار، مع العلم أن ابن تيمية يوضح أنه إذا كان له أصل في الفضائل فلا بأس.
إذاً: فالحديث الذي سقناه حديث ضعيف، لكن لا بأس بإيراده في مثل دخول القرية والمدينة.