أما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] فالله يعرف أن طائفة من الناس لن يؤمنوا أبداً، ولكن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم ليقيم الله عليهم الحجة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]؛ لأنه لو لم ينذرهم أتوا يوم القيامة وقالوا: ما أتانا من نذير، وقد أتاهم نذير في الدنيا ومع ذلك قالوا: ما أتانا من نذير ويحلفون بالله، وهم يكذبون وهذه شهادة باطلة لم يقبلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
إذاً فليس لكل داعية يعلم أن المدعو لا يستجيب له أن يتوقف عن دعوته، يقول تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} [آل عمران:20] ويقول: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] ويقول: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213] فواجب الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغ، ولا يقول: أنا أرتاح ولا أتكلم لا أدعو، قال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:6 - 7] هذا صنف من كفار مكة منهم: أمية بن خلف وأبو جهل وأبو لهب، هؤلاء كتب الله عليهم أنهم لن يؤمنوا أبداً، والسبب يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] ولماذا زاغوا؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23].
إذاً يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] ولا يعني ذلك أن فيها مفهوم مخالفة: أي إذا لم تنفع الذكرى فلا تذكر {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] بل قال أهل العلم: حتى وإن لم تنفع فلابد من الذكرى؛ لأن في الكلام شيئاً مقدراً معناه: وإن لم تنفع: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] أي: وإن لم تنفع الذكرى فذكر {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} [الأعلى:10 - 11] إذاً فواجب الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ.