يقولون: السبب في أن الله حماه من الاغتيالات ومن كثير من الحوادث، أنه كان كثير الذكر بعد الفجر، وقبل صلاة المغرب، كان له أوراد صباحية، كان عنده طاقة حرارية في جسمه من الذكر والدعاء، وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه مستقبلاً القبلة يردد الفاتحة حتى يرتفع النهار، ويقول: "هذه غدوتي ولو تركت غدوتي سقطت قوتي"؛ ولذلك كان من أقوى الناس جسماً.
حتى يذكر ابن القيم يقول: "ما رأيت أقوى منه" يعني: من شيخه ابن تيمية.
وكان إذا تكلم يصهل كأنه فرس، وإذا تحدث أمام الناس تحدث كالأسد، وكان يأخذ السيف ويقاتل به كما قاتل في شقحب، وتثلَّم السيف من قتاله حتى أصبح خنين شظايا السيف تمر على رءوس الناس، فكان قوياً، وإذا مشى يتكفأ كأنه ينحدر من صبب، وهي مشية الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو إسلام القوة، ليس إسلام الخمول الذي يمثله بعض الناس الآن حتى يوسمون الإسلام بأنه ضعف، أي: إذا التزم الإنسان واهتدى أصبح ضعيفاً يلبس غترة بلا طاقية، ويترك الغترة في عطلة الربيع، ويشتري غترة من عهد السلطان عبد الحميد.
لا.
الإسلام قوة وروعة، الإسلام حياة، فلا بد أن يتكلم الإنسان بقوة.
رأت عائشة رضي الله عنها شباباً في المدينة فأخذوا يمشون بهدوء، يعني: في الشارع كأنهم نملات.
قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالوا: نُسّاك، قالت: سبحان الله!! عمر بن الخطاب أنسك منهم، وكان إذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا مشي أسرع.
هذا عمر الناسك، أي: هل هم أخشى من عمر الذي كاد يقتلع الجبال من قوته؟ وإذا مشى في الطريق فرت الشياطين من اليمين واليسار؟ لا.
عمر أقوى، وابن تيمية أقوى، والإسلام أقوى.
فالإسلام جمال في الظاهر والباطن، أما إظهار الإسلام بالدروشة، وإظهار الإسلام بالمسكنة، حتى أصبح ذلك وصمة وقالوا: هذا هو الدين الذي يمثله هؤلاء.
فعلى هؤلاء أن يراجعوا إلى سيرة عمر، وأن يراجعوا سيرة ابن تيمية وألا يعودوا لنا مرة ثانية ويمثلوا الإسلام في مثلٍ هزيلٍ فاشل.
ابن تيمية منهمك في العبادة -كما قلت- كان عنده أوراد تعبدية دائماً يسأل الله إياها، ودائماً يعيش معها، يقول صاحب العقود الدرية: "وكان ابن تيمية في ليلة منفرداً عن الناس كلهم، خالياً بربه عز وجل، ضارعاً إليه، مواظباً على تلاوة القرآن العظيم، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى تميل يمنة ويسرة، وكان إذا صلى الفجر يجلس في مكانه حتى يتعالى النهار جداً، يقول: هذه غدوتي لو لم أتغدى هذه الغدوة لسقطت قواي".
يقول الذهبي: "لم أرَ مثله في ابتهاله، واستغاثته، وكثرة توجهه"
ويقول ابن تيمية: إنه ليقف خاطري في المسألة، أو الشيء، أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله ألف مرة، أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينجلي إشكال ما أشكل".
كان ابن تيمية أيها الإخوة الأبرار -أثابكم الله- دائم التهليل والاستغاثة والالتجاء إلى الله، وهذه ميزة المؤمن.
وكان يكثر من ترداد (لا إله إلا الله) كثيراً، ويقول عنه تلاميذه: "كانت شفتاه لا تسكت" أي: تتحرك دائماً، حركة سريعة، فقد تعودت على أن تتحرك كما أوصى به صلى الله عليه وسلم: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله} كان لا يهدأ أبداً، قالوا: "ألا تسكت قليلاً؟! قال: قلبي كالسمكة، إذا خرجت من الماء ماتت، وقلبي إذا ترك الذكر لحظة مات! " أو كما قال.