وابن عباس تكرر معنا في أكثر من موضع، فمن هو هذا العملاق؟ ومن هو هذا الشاب الذي حرص على الهداية، وأولى أمور العلم جلَّ اهتمامه، وهو ما زال في العاشرة من عمره، بل قبل ذلك يهتم بتتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، فآتاه الله على قدر نيته، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما أسلفنا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فلما علم الله من ابن عباس أنه يريد وجهه، ويريد ما عنده؛ فتح عليه {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ:26] ورزقه علماً جماً؛ حتى يقال له: البحر.
ويقال له: ترجمان القرآن.
ويقال له: حبر الأمة وبحرها.
قال مجاهد: [[وقفنا مع ابن عباس يوم عرفة، فأخذ يفسر سورة البقرة من بعد صلاة الظهر إلى صلاة المغرب حرفاً حرفاً، آيةً آيةً، مقطعاً مقطعاً، والله ما تلعثم في حرف، ولا توقف في آية، والله لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا]].
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما لما أتته الوفاة، وعرضت جنازته للناس، وكفن في أكفان بيضاء، وقام الناس ليصلوا عليه، وثلَّ قائمٌ أبيض فدخل في أكفانه، وسمعوا هاتفاً يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 29].
ورئيت له منامات رضي الله عنه وأرضاه، وهو ممن له قدم صدقٍ في الإسلام، حتى أنه رآى جبريل كرامة له ولم يره كثير من الصحابة.