أبو حميد الساعدي أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، من بني ساعدة، وبنو ساعدة هم الذين جعلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المستوى الرابع يوم صنف الأنصار درجات.
يوم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة من الغزوات، فنظر إلى قرى الأنصار وإلى قبائلهم، واستعرضهم في اللائحة، فانتظر، فقال عليه الصلاة والسلام: {خير دور الأنصار بنو النجار} وهم أخواله أو أخوال أبيه عليه الصلاة والسلام، ومنهم أنس بن مالك، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارثة، ثم بنو ساعدة، وبنو ساعدة سيدهم سعد بن عبادة الكريم الغطريف الشجاع الجحجاح، فسمع بهذه المقالة فغاضه؛ لأنه قوي الهمة كيف يوضع في المرتبة الرابعة؟ فحرك ناقته واقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام, قال: يا رسول الله! فضلت علينا الناس، قال: {أفلا يكفيك أن تكون من الخيار؟} لأن الأنصار ما يقارب عشر قبائل أو أكثر، لم يذكر عليه الصلاة والسلام إلا أربعاً، قال صلى الله عليه وسلم: {أفلا يكفيك يا سعد! أن تكون الرابع؟ والخيار خيار}.
ولو أنه تأخر في المرتبة، لكن هذا أمر الله قضاؤه وقدره، أما الأزد فهم أزد شنوءة الذين منهم ابن اللتبية صاحبنا هذه الليلة.
ونحن -للعلم- قبائل الجنوب أزديون حتى الموت، من قبائل الأزد، ومنه ابن اللتبية عبد الله، قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم، فأرسله صلى الله عليه وسلم في هذه المهمة فأتى بهذا الخبر، وحديث وفد الأزد حديث ضعيف ولو أنه في فضائل الأعمال.
قدم وفدهم سبعة فرآهم صلى الله عليه وسلم عليهم من الأبهة والجلالة والمهابة ما يلحق بمستوى الرجال العظماء، فتكلموا فكانوا أحسن وأحسن، فقال عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: {حكماء، فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء}.
أما بني سليم فهم قبيلة عربية تسكن ساحل البحر الأحمر، وهم يجاورون جهينة وأشجع وأسد وتلك النواحي، وفيهم فضل كبير وخير كثير، لكنهم أسلموا متأخرين، ولذلك لم يجعلهم الله عز وجل كالمتقدمين، والمتقدم دائماً هو الذي يعرف له الفضل، يقول الهذلي:
ولو قبل مبكاها بكيت صبابةً لكنت شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14].
أتوا إلى المدينة، فقالوا: يا رسول الله! آمنا، الناس حاربوك إلا نحن ما حاربناك أهذه منة؟ المنة لله ولرسوله، يمتنون على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات:17].
من الذي له الفضل؟ ومن الذي له الكرم؟ ومن الذي له العطاء إلا الله، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات:17] وأنت هديتهم إلى طريق الإسلام، وأنت الذي قدتهم إلى دار السلام، وبينت لهم الكرامة والإكرام!! فأتوا كأن لهم الفضل عليك! لا والله.
الفضل لله ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] فالمنة لله ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم.