إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، وأن يجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه.
في روضة من رياض المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي جلسة تصلنا بسيرته العطرة النيرة، معنا هذه الليلة حديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، فحيا الله البخاري وحيا الله مسلماً، الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وأرضاه، قال: {بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على صدقة بني سليم، فلما بعثه صلى الله عليه وسلم لقبض صدقات بني سليم, أتى فقال: يا رسول الله! هذا لكم -يعني: من الصدقة- وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام له: أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فترى هل يهدى إليك أم لا؟
ثم قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال أبعثهم لقبض الصدقات، فيأتي أحدهم، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا كان جلس في بيت أبيه وأمه فيرى هل يهدى إليه أم لا؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، لا يأخذ رجل مالاً بغير حق إلا أتى به يوم القيامة، ولأعرفن رجالاً -هذه رواية في مسلم - يأتون على رقابهم ما أخذوا, إن كان إبلاً فبعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: اللهم هل بلغت}.
قال أبو حميد: رأى بصري وسمعت أذناي.
هذا الحديث في الصحيحين، ومجمل قصة الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يبعث لأخذ صدقات الناس، يبعث عليه الصلاة والسلام رجالاً من أصحابه، ففي هذه المرة بعث هذا الرجل واعتمد عليه صلى الله عليه وسلم، ووثق بدينه وإخلاصه وأمانته، فذهب هذا الرجل فجمع الصدقات، والناس لهم مقاصد في الهدايا، بعضهم يهدي للرشوة، وبعضهم لأغراض يصل بها إلى غرضه، فأهدوا له فقبل الهدية، ولو كان لم يعينه صلى الله عليه وسلم عاملاً ما أهدي له أبداً، فما أتته الهدايا إلا من هذا الطريق.
فأتى فدخل المدينة بفرقتين وطائفتين من الغنم، فسأله صلى الله عليه وسلم: ما بالك قسمت الغنم؟ أو كما قال، قال: هذا لكم، أي: لبيت المال وللزكاة، وهذا لي، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال له كلمة حارة ساخنة: {أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فترى هل يهدى لك أم لا؟} ثم قام صلى الله عليه وسلم، فأعلن بياناً عاماً لكل من يلي شيئاً من أمر المسلمين خاصاً أو عاماً، أن الله يحاسبه يوم القيامة.
وفي المسند من حديث عبد الله بن المغفل بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يأتي أميرٌ يوم القيامة إلا وهو مغلول، فإن أصاب في ولايته فك الله غله، وإن لم يصب تدهده على وجهه في النار} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
عنوان هذا الدرس: (أنقذ نفسك أيها المسكين) الذي تولى شيئاً من الولايات، أو من يسأله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن شيء من الأموال.