لا بد أن نعرف القائل

Q من هو القائل:

كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرجُ

صلى الله عليه وسلم القائل هو ابن الرومي في قصيدة مشهورة يرثي أحد أبناء علي بن أبي طالب في عهد بني العباس في قصيدة رائعة من أجمل المراثي يقول فيها:

أزيد العلا لهفي لذكراك لهفة يباشر مكواها الفؤاد فينضج

متى تستعيد الأرض ثوب جمالها فتصبح في أثوابها تتبهرج

عفاء على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج

كدأب علي في المعارك كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج

سيصغي له من عالم الغيب ناصر ولله أوس آخرون وخزرج

وهي من أروع ما قيل في الأدب العربي وهي من الرثاء الحق.

أيها الإخوة الكرام: لا أطيل عليكم بل أطلب منكم الدعاء لدعاة الإسلام, وطلبة العلم, والعلماء بالنصر والتمكين في الأرض, وبالحماية والرعاية فإنهم بحاجة شديدة، وأطلب منكم ألا تنسوا السهام في آخر الليل فإن عندكم سهاماً لا تستخدم أحياناً، وهي أقوى من صواريخ اسكود، وهي الدعاء بظهر الغيب، قالوا متى؟ في الثلث الأخير من الليل، يعقوب عليه السلام قال لأبنائه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:98] يقول أهل العلم: لماذا قال: سوف أستغفر لكم ربي؟! قالوا: حتى يتحرى وقت السحر.

دخل أحد الناس على أحد الوزراء في بني العباس, وكان هذا الوزير ظالماً في عهد الخليفة القاهر وكان هو أيضاً ظالماً عنيداً يضرب الناس بالكفوف على وجوههم, لكن:

كل بطاح من الناس له يوم بطوح

فدخل أحد المساكين إلى هذا الوزير يريد أن يسأله مسألة فلطمه على وجهه، فقال ذاك الفقير: لأشكونك في الثلث الأخير إلى الله ثم ذهب، قال: افعل ما بدا لك -يتحدى- فجلس هذا الرجل في السحر في الثلث الأخير يوم يقول عليه الصلاة والسلام: {ينزل ربنا في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من داعٍ فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له} فرفع كفيه إلى السماء، وقال: اللهم إنه لطمني هذا اليوم بيده اللهم اقطع يده، قال أهل العلم: والله ما مر أسبوع إلا وغضب عليه القاهر وقطع يده, وعلقت بـ باب الطاق عند مدخل بغداد وكان يستقي هذا الوزير بشماله, وله مقطوعة جميلة, وأصبح يخط بشماله ويقال: رأوه يأخذ الدلو بشماله -أهانه الله تعالى يأخذ الدلو بشماله- فقالوا: إذا أراد أن يشرب وضع الحبل في فمه وهزه حتى يشرب من الدلو ويتوضأ.

على كل حال إذا كان الجزاء في الدنيا فهو سهل, وإنما قصدي هذا أنه لا يفوتكم الثلث الأخير؛ لأن الدعاء فيه مستجاب حيث يتنزل الرب سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

وقف المسلمون على حدود كابول بجيش عرمرم ما يقارب مائة ألف, قائدهم: قتيبة بن مسلم فقال: التمسوا لي محمد بن واسع، - محمد بن واسع أزدي من جماعته- فذهبوا يلتمسونه فوجدوه قد اتكأ على الرمح ورفع إصبعه يدعو الله عز وجل وكان من سادات المحدثين, فعادوا إلى قتيبة فأخبروه، فبكى قتيبة قبل المعركة، وقال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومائة ألف شاب طرير.

وعن أبي الدرداء في الترمذي -وهو حديث صحيح- يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم}.

ووالله إنني كلما رأيت مع إخواني مسكيناً أو ضعيفاً تقربنا منه لأن دعاءه يفوق الألوف المؤلفة, لا تجلس إلا مع المساكين ولا تحب إلا الفقراء وحاول أن تجلس معهم, وحاول أن تقترب منهم وتجتمع بهم قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28].

أتى الفقراء يجلسون حول الرسول عليه الصلاة والسلام وأتى أبو جهل يريد أن يسمع القرآن وأبو لهب والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل أتوا وعليهم الحلل من الحرير والديباج، والفقراء مثل: ابن مسعود وعمار وصهيب وسلمان وبلال، فقالوا: يا محمد! إن كنت تريد أن نجلس معك فاطرد هؤلاء الموالي عنا، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطردهم, والرسول صلى الله عليه وسلم بشر ويجتهد فأنزل الله جبريل بقوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52].

لا تبقى إلا معهم فالنصر معهم والتأييد والدعاء والحب والصلاح, ولكن ارفض الفجرة ولا تجلس معهم ولا تحبهم ولا تنتمي إليهم؛ لأن الله قطع الحبل بينه وبينهم, فلماذا نتحاب هل بيننا نسب؟! ليس بيننا نسب إلا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] هل بيننا سبب؟! ليس إلا سبب لا إله إلا الله، اللهم انفعنا بهذا النسب والسبب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015