هجرة بلال

هاجر رضي الله عنه وأرضاه، واستفاقت المدينة من سباتها ومن نومها على أذان بلال تنفض الجاهلية والوثنية وأدرانها، كان دائماً يمر ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة، ويقول: الصلاة الصلاة يا رسول الله! فينتشي صلى الله عليه وسلم، وإذا تأخر بلال عن هذا الموعد، قال عليه الصلاة والسلام: {أرحنا بها يا بلال} أي: بالصلاة؛ فإنها قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشرحة فؤاده، وراحة نفسه، عليه أفضل صلاة وأجل تسليم.

وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم يمر بلال فيقول: الصلاة الصلاة يا رسول يا الله! ولكن أين مناخ العيس من حلب؟! كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يقوم وهو في مرض الموت، فقال: {يا بلال! مر أبا بكر فليصلِّ بالناس} فيتلعثم بلال رضي الله عنه بالبكاء ويقول: واحبيباه! وارسولاه! واخليلاه! ثم يقول: يا أبا بكر! صلِّ بالناس، فيقول أبو بكر: الله المستعان، إنا لله وإنا إليه راجعون!

ويؤثر في السيرة أنه رضي الله عنه وأرضاه قام من صلاة الفجر في أول يوم توفي فيه صلى الله عليه وسلم فرفع صوته الندي الشجي بالتكبير والتهليل فلما بلغ قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله التفت فخنقته العبرة وبكى وما استطاع أن يتم الأذان.

كان يوم الفتح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما دخل الجيش العرمرم المسلم الذي يرفع لا إله إلا الله، جيش قوامه عشرة آلاف، والرسول قائده صلى الله عليه وسلم، فلما حانت صلاة الظهر ونصر الله رسوله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله، وقف كفار قريش أمامه وقد جردهم من السلاح والسيوف والرماح، وقال: ما ترون أني فاعل بكم؟

فبكوا حتى اختلطت أصوات بكاء الأطفال بالنساء، وظنوا أنها مجزرة ومذبحة، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعاملهم بالمعاملة التي عاملوه بها، فقد أخرجوه وكذبوه وشتموه وآذوه وظنوا أنه كالبشر الذين فعلوا ما علمتم في التاريخ.

هتلر يوم دخل الشرق ماذا فعل؟

ونابليون يوم دخل الدول العربية ماذا صنع؟

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، رباه الله وعلَّمه وأدبه؛ فقال: {اذهبوا فأنتم الطلقاء! عفا الله عنكم} فزاد البكاء بكاءً، وقام أبو سفيان يقول: الله ما أرحمك! الله ما أوصلك! الله ما أبرك! الله ما أكرمك!

ولما أتت صلاة الظهر قام صلى الله عليه وسلم وأخذ بحلق الكعبة وقال: {الحمد لله الذي نصر عبده -اسمعوا للنصر التاريخي العظيم- وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.

ثم قال: قم يا بلال أذن.

فقام بلال فارتقى الكعبة} وكانت مقصودة من الرسول صلى الله عليه وسلم.

كان من الممكن أن يدعو أبا بكر أو عمر لكن قال: قم يا بلال، يا من سحب على الرمال! يا من أوذي بالصخور! يا من تعرض للإهانة والإساءة! يا من كان هؤلاء لا يقيمون له وزناً! أخبرهم أن هذا الدين يرفع المولى، ويعز الضعيف، ويعرف قيمة الإنسان؛ فقام وهم ينظرون إليه، أهذا هو العبد الأسود الذي كان معنا نمتهنه كما نمتهن الدابة؟!

أهذا هو الخادم يرتقي على الكعبة؟! فيقوم ويطلق: الله أكبر؛ فيرتج المسجد الحرام بالبكاء.

إنه نصر عظيم! وإنه صوت عجيب! وإنه فتح كبير! ويعود حتى يقول صفوان بن أمية: ما كنت أظن أن الحياة تطول بي حتى أرى هذا الغراب ينادي من على الكعبة.

ولكن سوف يعلم لمن الرفعة عند الله عز وجل.

وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دف نعلك يا بلال، فماذا كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله! ما كنت كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة -أي: في النوافل- لكن ما توضأت وضوءاً إلا صليت بعده ركعتين}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015