كانت أم سليم امرأة عاقلة من الأنصار, عرفت قدر الإسلام, والمرأة المسلمة لابد أن تعلم بأن القرآن يخاطبها, وأن السنة تندبها, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث للرجل والمرأة، ولذلك يقول عزَّ من قائل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]
فالأجر حاصل, وجهادها في بيتها وصدقها مع ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أجر ومثوبة, ويمكن أن تكون تربيتها لأبنائها على منهج كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من نوافل الصيام والصلاة إذا قصدت بذلك وجه الله تبارك وتعالى.
يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: [[ما سمعنا بمهرٍ في الإسلام أعظم من مهر أم سليم -أي: أمه- قال الناس: وما مهرها؟ قال: كان مهرها الإسلام]].
أتى لها رجل من الأنصار وهو مشرك قبل أن يسلم فأراد أن يتزوج بها، فقالت: أنت مشرك وأنا مسلمة، والله لا أتزوجك حتى تسلم فيكون مهري معك الإسلام, فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ثم أتت بـ أنس وعمره عشر سنوات, فقالت: يا رسول الله! تفّكرت في الدنيا فإذا هي ذاهبة, وأردت هدية أقدمها لك فما وجدت أغلى من ابني، شجا روحي، وفلذة كبدي، فخذه هدية يخدمك في الحياة الدنيا, فقال عليه الصلاة والسلام: {غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ثم قالت: يا رسول الله! ادع لابنك أنس؟ -أي: ابنها- فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم أطل عمره -وطول العمر على طاعة الله سعادة- وكثر ماله وولده، واغفر ذنبه} فأما عمره فطال حتى قارب المائة، وقيل: نيّف على مائة, وأما أولاده فكثر ذرية بعضها من بعض, يحفظون كتاب الله ويناجونه ليلاً نهاراً, حتى يقول عن نفسه كما في الإصابة وأسد الغابة وغيرها: [[دفنت من ولدي لصلبي وولد أولادي يوم دخل الحجاج الكوفة مائة نفس]] وأما جسمه فإنه صح فما مرض وما سقم, وأجرى الله عليه رزقه, وأما غفران الذنب فهذه سعادة الآخرة يوم يلقى الله.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة -أي: شبه الرؤيا والمنام- فرأيت الرميصاء أم سليم في الجنة} وأخبرها صلى الله عليه وسلم, لماذا؟ لأنها صدقت مع الله عز وجل, وأنها عرفت موعود الله فأخلصت للا إله إلا الله.