المسألة السادسة: علم السلف منضبط بأصول وقواعد كلية تجمع جزئيات العلم، وعلم الخلف كثرت جزئياته على حساب كلياته.
السلف يتكلمون بالمسائل وعندهم أصول لها، وقواعد تضبطها؛ وهي من اللغة ومن القرآن والسنة، أما نحن إلا ما رحم الله فنتكلم على جزئيات ليس لها أصل يجمعها ولا كليات، ولذلك فميزة علم ابن تيمية والشاطبي الكليات، والعيب عند بعض الناس من المتفقهة أن عندهم الجزئيات لكن ليس عندهم كليات، هذا أمر.
وأما علم الخلف جزئياته على حساب كلياته كثرت لكن ليس لها كلية تندرج فيها.
قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه فيما صح عنه: [[كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نجاوزهن حتى نتعلم ما فيهن من العلم والعمل، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]] ولذلك يقول سيد قطب رحمه الله: كانوا يأخذون القرآن على أنه أحكام تكليفية، وأوامر ربانية تنفذ يوماً بيوم، ثم أخذه من بعدهم كأنه كتب سمر ومتعة وقصص، يسمر الإنسان ليرى في القرآن بعض العجائب، وسوف يمر بك في القرآن الأدب واللغة والإبداع والجمال والإشراق، ولكن مقصد القرآن أن يهديك إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ ولذلك يقول أحد أهل العلم: أخطأ من جعل القرآن كتاب طب، فليس بكتاب طب، وليس بكتاب هندسة؛ أتدرون أن أحد الناس كتب تفسيراً وقال: في القرآن دليل أن زوايا المثلث منفرجة، قالوا: من أين أخذت هذا؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] وقال الخط المستقيم هو أقرب خط يصل بين نقطتين، قالوا: من أين أخذته؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6].
وأخطأ من جعل القرآن كتاب جغرافيا، في القرآن تضاريس، ذكر جبال وأودية وسهول لكن لم ينزل ليكون جغرافيا.
والقرآن ليس كتاب تاريخ، فيه تاريخ، لكنه نزل ليكون كتاب هداية للناس أجمعين.
قال ابن مسعود: [[كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نجاوزهن حتى نعمل بما فيها من العلم والعمل جميعاً]].