المسألة الخامسة: علم السلف تطبيق وتأثر وخشوع وخشية ونفع عام.
يطلبون العلم لوجه الله، ويطلبون العلم الواقع، ولا يشتغلون بعلمٍ لم يقع، كأن يقال مثلاً: لو قال رجلٌ لامرأته لو طرت فأنت طالق، فطارت فطلقت، أو لو سافرت امرأة من قبرص إلى إندونيسيا في الجو فوقعت في البحر، وقال لها زوجها إن وقعت في البحر فأنت طالق: على أو قال إن أتت الخالة وماتت قبل الجدة، هذه الأمور قد تقع لكن نسبية، حتى قالوا: إن بعض مسائل الفرائض ما وقعت في كل تاريخ الإسلام.
اشتغالنا بمسائل كهذه عن مسائل تهمنا في كل يوم وليلة عبث.
علم السلف كان علم تطبيق، عند الدارمي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه بـ صبيغ من المبتدعة، فقال: أنت الذي تعارض الآيات، قال: أريد أن أشرب.
قال: تعال، فضربه بجريد النخل حتى أدماه، وأغمي عليه, ورش بالماء فاستفاق، فضربه حتى أدماه، فرش فلما استفاق قال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد شفائي فقد شفيت والحمد لله، فـ عمر رضي الله عنه كان يعارض هذه المسائل التي تشغل بها الأذهان ثم لا يكون لها دور.
كان يجتمع طلبة بعد صلاة العشاء، ولو اجتمعوا على صحيح البخاري أو على صحيح مسلم أو على تفسير ابن كثير، وقرأ أحدهم، وناقشوا بهدوء دون أن يخرج النقاش إلى جدل؛ لكان من أحسن ما يكون، لكن اجتمعوا بعد صلاة العشاء فقال أحدهم: الأرض تدور.
قال الثاني: لا تدور الأرض.
ثم أخذوا في حوار، ثم تضاربوا بالأحذية، ثم خرجوا وهم متضاربون.
يأتي طالبٌ يعرف أنه لا يحفظ إلا القليل من القرآن، فيقول أهل الفترة هل هم في الجنة أم في النار؟ فتقول أنت: في الجنة.
قال: لا في النار، هو متجهز لأن يعاكسك، إن قلت: في النار، قال: في الجنة.
وإن قلت في الجنة، قال: في النار.
أطفال المشركين للعلماء فيهم ثلاثة أقوال، قال: لا أربعة أقوال، فإذا قلت: قولين، قال: ثلاثة.
فهذا معناه الجدل؛ والجدل هذا ما رغبه الصحابة أبداً، وكانوا يغضبون منه، وفيه حديث حسن: {ما ضل قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل} أي كثرة المجادلة والمخاصمة على أشياء لا تقع في الساحة، أو على تعلق بأشخاص.
فتأتي إلى المجلس، وأحدهم يقول: فلان فيه كيت وكيت، قالوا: لا، فلان إمام حافظ علامة.
والله لا يسألنا عن الناس؛ إنما يسألنا عن أنفسنا.