علم السلف علم موجز مختصر غزير مبارك، وعلم الخلف كثير متشعب لا ينطوي تحت مظلة.
تعال معي إلى النص من الرسول صلى الله عليه وسلم، في مسألة ناقشها السلف الصالح أعرضها للفائدة، في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الماء من الماء} أي لا يغتسل الجنب إلا إذا أنزل منياً، فلا يجب الغسل بالماء إلا إذا أنزل ماءً، وبهذا أفتى كثير من السلف، حتى جاء الناسخ من حديث أبي هريرة {إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل} وهذا نسخ اتفق عليه الناس.
أتى المتأخرون؛ فأتوا تكلموا عن الماء، ومصدر الماء، ومن أين أتى الماء؛ ولماذا نسخ هذا الحديث، ثم تكلموا في الحديث الآخر، ثم أتى صاحب المتن فكتب شرحاً وحاشية على الشرح، وأتى الثاني فاختصر الحاشية، فلما اختصره في مختصر المسألة شرحها الآخر، ثم اختصرها الذي بعده هذه الحواشي فيها خير، أنا لا أقول هذا الكلام من كيسي، يقول الشاطبي رحمه الله رحمة واسعة: أنا لا أقرأ إلا للمتقدمين -القرن الرابع، الثالث، الثاني، الأول، أما من يأخذ الفقه الآن مثل هذا القرن فإنه يسير في مسائل وارتباكات إلا في مسائل جديدة لم يخضها السلف؛ مثل مسألة الصرافة، البنوك الربويه، السفر إلى الخارج، طفل الأنبوب؛ هذه مسائل تؤخذ من الخلف أما المسائل المؤصلة التي بحثها السلف فخذها من السلف.
أقول: علم السلف علم موجز مختصر غزير، ولكن علم الخلف كثرة الكلام، تجد بعض كتب الفقه مجلد كامل وتبحث فيه فلا تجد آية ولا حديثاً، ولكن تجد قال أصحابنا الخراسانيون، وقال فلان من أصحابنا المتأخرين، ورد عليهم المتقدمون، وقال خصومنا، قال خصومنا ورددنا عليهم، هذه الكتب تحتاج إلى دليل وإلى اختصار لتكون مباركة.
وهذه الجلسة مفتوحة لطلبة العلم لمن أراد أن يناقش، أو يرد، أو يحاور؛ لأن المجلس عندنا شورى.