الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وأقام علم الجهاد، ونشر العدل في البلاد، وهدى الله به العباد، وفتح الله به أفكار الإنسانية، وأنار به أفئدة البشرية، وزلزل الله به كيان الوثنية، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، ما فاحت الأزهار، وما تدهدهت الأنهار، وما هطلت الأمطار، ما تحركت الورق على الأشجار، وما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار.
أمَّا بَعْد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهنيئاً لكم بمجلس الذكر، غيركم إذا اجتمعوا على غناء وطبلٍ ورقصٍ، وأنتم اجتمعتم تسبحون وتذكرون الله كثيراً، الملائكة تحفكم، والسكينة تتنزل عليكم، والله يباهي بكم في عليائه، فهنيئاً لكم.
أسأل الله أن يصرفني أنا وإياكم من هذا المكان وهو يقول لملائكته {انظروا لعبادي اجتمعوا على ذكري أشهدكم أني غفرت لهم، انصرفوا مغفور لكم}.
ثم أشكر لصاحب الدعوة، وأسأل الله أن يجعل زواجه مباركاً هنيئاً مريئاً، وأن يبني زواجه على خير وهدى، وأن يرزقه ذرية صالحة لاتشرك بالله أحداً، ذرية تعرف المسجد والمصحف، وذكر الله، ذرية تأكل الحلال وتتجنب الحرام، ذرية تجاهد في سبيل الله؛ لأن الله أخذ على نفسه أن من بدأ معه الطريق أن يثبته إلى النهاية، فمن كان زواجه على الخير، وعلى ذكر الله، وتقوى الله كان مستقبله إلى الخير حتى يلقى الله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].
أفمن أسس زواجه على تقوى، وذكر، ودعوة، وعلى حب وإخاء خير ممن أسس زواجه على كبر، وكبرياء، وبطر، والله أعلم بالقلوب: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193].
أما ما ذكره الشيخ علي بن عبد الخالق القرني من تقدمة فأبرأ إلى الله، وأعرف نفسي وأسأل الله أن يغفر لي ولكم ذنوبنا وخطايانا، وأن يسترنا وألاَّ يفضحنا على رءوس الأشهاد، وأسأله ألاَّ يؤاخذنا بتقصيرنا، فإنا والله نصبح مذنبين ونمسي مذنبين، حنانيك يا رب! إليك نشكو خطايانا وتقصيرنا.
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائى نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
لما جلسنا تحت هذه الخيمة في صلاة المغرب، تذكرت خيام الجنة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم يقول: {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً} والميل أكثر من الكيلو متر فما بالكم بخيام الجنة، الخيمة الواحدة ليست من شعر، ولا ذهب، ولا من خشب، أو جص أو حديد، الخيمة من لؤلؤة مجوفة، في طرف كل خيمة أهلون وأولاد، لا يرى بعضهم بعضاً أعدها الله عز وجل لمن أحسن الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، ووصل الأرحام، وصلى بالليل والناس نيام.
أصغر أهل الجنة ملكاً من يملك عشرة أمثال ملك الدنيا، وهو آخر الناس دخولاً الجنة، يقول الله عز وجل: {تمن يا عبدي} وهذا الحديث في صحيح مسلم وأنا أقص لكم الحديث ثم أعود لموضوع المحاضرة.
يقول عليه الصلاة والسلام: {آخر أهل الجنة دخولاً الجنة رجل ينجيه الله من النار بعد أن دخلها} وفيه دليل على أن بعض الناس ولو صلّى وصام وحج واعتمر، قد يدخل بذنوبه النار نعوذ بالله منها.
رحماك يا رب! أجسادنا لا تقوى على النار، أجسادنا ضعيفة، وعظامنا هزيلة، لا نقوى عليها، فرحماك يا رب!
لكن بعض الناس قد تكون ذنوبه كالجبال فلا تدركه الشفاعة فيتدهده في النار، وهو من عصاة الموحدين الذين لا يخلدون في النار {فيخرجه الله من النار وقبل أن يخرج، يقول: يارب! يا رب! يا رب! أخرجني من النار؛ قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، أي: حماؤها ونارها فيخرجه الله.
قيقول الله له: يا بن آدم! أئذ أخرجتك أتسال غير ذلك؟
قال: لا.
والله يارب! أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيخرجه الله من النار فيجعله في قنطرة بين الجنة والنار، فينظر إلى الجنة، قال: يا رب! قربني إلى الجنة، فيقول: فإذا قربتك إلى الجنة، قال: أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيقربه الله من باب الجنة فينظر إلى أنهارها، وأشجارها، وثمارها، وقصورها} والقصر الواحد كالربابة البيضاء مثل السحابة يمشي في جو الجنة.
الشجرة الواحدة يمشي فيها الراكب المجد على الفرس مائة عام لا يقطع ظلها، أما أنهارها فنهر من عسل مصفى، ونهر من لبن أبيض كالثلج، ونهر من ماء غير آسن، ونهر من خمر لذة للشاربين، قطوفها دانية، إذا جلست أتاك القطاف، وإذا اضطجعت على جنبك وصلك التمر إلى فمك، وإذا قمت يرتفع الغصن -لا إله إلا الله ما أعظم الجنة! - إذا اشتهى أهل الجنة الغناء والطرب، وهذا لمن حرم على سمعه الطرب في الدنيا، أرسل الله له ريحاً طيبة، فتهز أغصان أشجار الجنة فيجدون حلاوة الصوت، يقول ابن القيم رحمه الله لمن اشتغلوا بغناء وطرب ورقص الدنيا، وهذا الكلام موجه خصوصاً إلى من اشتغل قلبه بطرب أهل الدنيا ألا تريد طرب الجنة؟ فلم تشتهي طرب الدنيا؟!
يقول:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
{فيخرج الله هذا الرجل؛ فإذا اقترب ورأى الجنة وما فيها، قال: يارب! أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تدخلني الجنة، فيضحك ربنا تبارك وتعالى ضحكاً يليق بجلاله، كما ورد في صحيح مسلم ثم يقول الله: يا بن آدم! ما أغدرك، ما أخونك! تقول: لا تسأل وسألتني، أدخلوه الجنة، فيدخل الجنة فإذا رأى ما فيها من قصور ونعيم ودور وملك كبير، الله أعلم بذاك الملك، دار لا يمرض صاحبها، ولا يفنى شبابه، ولا تبلى ثيابه، ولا يذهب حسنه وجماله، دار ليس فيها هم ولا غم، ولا حسد أو حقد، أو دين أو مرض أو خوف ولا جوع، لا يبولون ولا يمتخطون، وجوههم كالقمر ليلة أربعة عشر، أعمارهم ثلاثاً وثلاثين سنة، الرجال والنساء
فيقول الله: تمنَّ يا عبدي! فيتمنى من القصور مئات القصور، ومئات الأشجار والأنهار، والبساتين، فيقول الله: لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، قال أبو سعيد: خمس مرات، قال أبو هريرة: والذي لا إله إلا هو لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: عشر مرات، وصدق: مثل ملك الدنيا عشر مرات، فيقول العبد: -والحديث في صحيح مسلم - يقول: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟! قال: لا.
وعدي الحق، وقولي الحق} فنسأل الله أن ينجينا وإياكم بكلمة التوحيد، لأنه ليس عندنا عمل، ولا حسنات وكلنا أهل سيئات ومقصرون، فنشكو حالنا إلى الله.
لما أتت الوفاة عمرو بن العاص وهو في سكرات الموات، فقال: لا قوي فأنتصر، ولا معذور فأعتذر، وليس عندي إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحد الصحابة توفي ويديه مضمومة، وأخذوا يغسلونه ففتحوا أصابعه فعادت، ثم أدخلوه الكفن وفتحوا أصابعه فعادت، ثم حاولوا فتح أصابعه عند القبر فعادت فدخل القبر بلا إله إلا الله محمد رسول الله.
والمقصود بهذا الكلام أن نستعد للقاء الله بالأعمال الصالحة، وأن ننظر إلى نعم الله كيف أنعم الله علينا، قبل عشرين أو ثلاثين سنة كانت أحوالنا صعبة وشديدة، ويخبرنا كبار السن كيف الفارق بين تلك الأيام التي كانوا فيها في رعب وجوع ومشقة، وبين هذه الأيام التي أنعم الله علينا نعم ظاهرة وباطنة، أتتنا نعم الدنيا من كل مكان: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] أما سترنا الله؟ أما أمننا؟ أما أشبعنا؟ أما أروانا؟ فما جزاء هذه النعمة؟ جزاؤها أن نستخدمها في طاعة الله.
يقول الله عن بعض القرى التي أعرضت عن منهجه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
بعض الناس وجد في زواج من الزواجات أنه ذبح ما يقارب من خمسين خروفاً رياء وسمعة ثم إنه ما وجد من الناس من يأكلها، ثم حملها في القلابات ووضعها في الزبالة، وطلب هذا الرجل -وكان تاجراً من التجار- أن يبني مسجداًَ، قال: لا أستطيع، قلنا: سبحان الله! تستطيع لهذه الأمور التي لا ترضي الله، أما أن تبني مسجداً؛ فيبني الله لك بيتاً في الجنة فتأبى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث القدسي: {يا بن آدم! عجباً لك! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد}.
يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل، قال: يارب! أريد أن أعبدك عبادة ما عبدك بها أحداً من الناس إلا الأنبياء؛ فأمره الله أن يخرج إلى جزيرة من الجزر في وسط البحر، فأتى هذا الرجل المسكين العابد فخرج إلى جزيرة وحده لا زوجة ولا ولد ولا أهل ولا قبيلة يعبد الله خمسمائة سنة، فأنبت الله له شجرة من رمّان، وكان إذا اشتهى الأكل قطف الرمانة وأكلها، وصلى وعبد الله وذكره وسبحه وتأمل في مخلوقاته، فلما عبد الله خمسمائة سنة توفاه الله وليس له ذنوب، ما أكل مال أحد، ولا اغتاب أحد، ولا أكل الربا، ولا استمع الغناء، ولا زنى، ولا شهد شهادة الزور، فلما قبض الله روحه قال: ياعبدي! أتريد أن تدخل الجنة بعملك أم برحمتي؟
قال: أريد أن أدخل الجنة بعملي؛ لأنه توهم أن عبادة خمسمائة سنة تخوله وتؤهله لدخول الجنة.
قال الله: تريد الجنة بعملك أم برحمتي؟
قال: بعملي يا رب.
قال الله: نحاسبك بقدر النعم التي أعطيناك وبقدر عبادتك التي عبدتنا إياها، فتقدمت الملائكة بالميزان يحاسبونه فنشروا له الصحف، وعدّوا نعم الله عليه وعبادته، فوجدوا عبادته جميعاً لا تعدل إلا نعمة البصر، وبقية نعمة القلب والسمع والحياة، والتنفس والعقل، والهداية وغيرها، قال الله: خذوه إلى النار.
قال: يا رب! أسألك أن تدخلني الجنة برحمتك.
قال: أدخلوه الجنة.
إذاً مهما فعلنا، ومهما صلينا وصمنا وذكرنا الله، والله إننا مقصرون إلى أبعد نهاية، لكن أملنا في الواحد الأحد أن يغفر لنا الذنوب والخطايا.
وأنا أريد أن أعرض لكم بشرى من محمد عليه الصلاة والسلام، وأريد منا جميعاً أن نتذكر هذا الحديث كلما أدركنا اليأس أو القنوط من رحمة الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي.
يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي.
يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة} فنسأل الله أن يغفر لنا ولكم.
عنوان هذه المحاضرة (الزواج الناجح) لأن في الحياة زواج فاشل وزواج ناجح
أما الزواج الفاشل فلا أتحدث عنه فإنه يعرف إذا بينتُ الزواج الناجح؛ لأن الزواج الناجح هو الذي ركب على تقوى الله، وعلى الخوف من الله، ويبدأ أولاً باختيار الزوجة الصالحة، وباختيار الزوج الذي يتقدم إلى هذه المرأة؛ لأنه اجتماع بكلمة الله الواحد الأحد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
فهي من آيات الله الواحد الأحد، يأتي بهذه المرأة الغريبة إلى هذا الرجل الغريب، فيعيشون حياة ويرزقون ذرية، فتكون المرأة أحب إليه من بعض أخواته وقريباته، ويكون هذا الرجل أحب إلى هذه المرأة من كثير من إخوانها وأقاربها وخالاتها وعماتها.
فسبحان الله! مقلب القلوب، وسبحان الذي يجمع بين القلبين.
ولكن ما الفرق بين الزواج؟ لأن الزواج فطرة بين الأمم، المسلم يتزوج، واليهودي يتزوج، والنصراني يتزوج، والشيوعي يتزوج، ولكن ما الفرق بين زواج المسلم وزواج الكافر أو الفاسق أو العاصي؟
المسلم أولاً: يبحث عن ذات الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: {تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك}.
اليهود يتزوجون من أجل المال، فهم لا يبحثون إلا عن المرأة التي عندها مال؛ فإذا وجدها تزوجها، الأعاجم أهل فارس إذا بحثوا يبحثون عن المرأة ذات الجمال.
الروم يبحثون عن الحسب أو العرف في الجاهلية.
أما المسلمون: فيذهبون ويبحثون عن صاحبة الدين، لأن الدين كل شيء في الحياة، وصاحب الدين التقي قريب من الله، قريب من عباد الله، والفاجر عدو لله، قد قطع الحبل بينه وبين الله.
كيف تجعله صهراً لك وقد قطع الخطوط بينه وبين الله، قد أعلن محاربة الله؟
أما الرجل الذي يتقدم فاحرص على أن يكون خائفاً من الله، قيل للحسن البصري قال له أحد الناس: من ترى أن أزوج ابنتي؟
قال: زوجها من يخاف الله؛ فإنه إن رضيها أمسكها بمعروف، وإن كرهها فارقها بإحسان، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: كما عند الترمذي بسند صحيح: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.
من هو صاحب الدين؟
إنه صاحب المسجد الذي يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يدع صلاة الفجر، الذي يأتي إلى بيت الله متوضئاً صادقاً.
في الترمذي بسند فيه كلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} نشهد لمن شهد له صلى الله عليه وسلم أنه إذا اعتاد المسجد خمس مرات في اليوم والليلة نشهد له بالإيمان في الدنيا وفي الآخرة وأنه من أولياء الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: {أنتم شهداء الله في أرضه} إذا ماتت الجنازة استشهد عليها الملائكة، وفي يوم الآخر استشهد عباده الصالحين.
مرت بالرسول عليه الصلاة والسلام جنازتان؛ أما الأولى فكانت من أهل الخير، كان صاحبها يصلي في المسجد، وكان صادقاً مع الله متصدقاً، ذاكراً لله، عابداً من عباد الله، ولياً من أوليائه، فقال الناس: رحمك الله يا فلان! غفر الله لك يا فلان! أسكنك الله فسيح الجنات، كنت كذا وكذا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: {وجبت وجبت وجبت} ومروا بالجنازة الأخرى وكان صاحبها فاسقاً؛ لا يعرف بيت الله، ولا يعرف المسجد، معانداً لله، وعدواً له، وبعيداً منه، قطع الحبل بينه وبين الله، فهو يعيش لكن لبطنه وفرجه، فهو من جنس الدواب والبهائم {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويقول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأعراف:179].
ذرأنا: أي: خلقنا؛ لكن خلقهم لجهنم، يقول موسى عليه السلام: {يا رب! كيف خلقت قوم من عبادك للنار وخلقت قوم للجنة؟
قال: يا موسى! ازرع زرعاً في الأرض؟ فزرع موسى، فقال: احصد الزرع؟ فحصده، فأبقى بقية هذا العلف والجذور - وهذه من قصص بني إسرائيل التي رويتْ عن موسى - قال الله: خذ هذا يا موسى؟ قال: هذا يارب لا خير فيه، قال: يا موسى! وكذلك من تركت للنار لا خير فيهم} {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].
فلذلك كان على المسلم دائماً أن يراقب الله عزوجل، فلما مرت هذه الجنازة الشريرة التي قطع صاحبها الحبل الذي بينه وبين الله، قالوا: أراحنا الله منك يا فلان! الحمد لله الذي قبض روحه، كان شريراً، سيئ الغيرة، قطوعاً لأرحامه، عاقاً لوالديه، قال عليه الصلاة والسلام: وجبت، فقالوا: يا رسول الله! ما وجبت في الأولى وما وجبت في الثانية؟ قال: {الأولى شهدتم لها بالخير، فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية شهدتم لها بالشر، فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه} {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فنسأل الله أن نكون ممن شهد له المسلمون بالخير، فإن الإنسان يُعرف بعمله، وبصلاته، وبصلاحه، وبصدقه، وبغيرته، وبصلته للأرحام، وببره للوالدين، فأول ما تبحث عنه من الرجال الذي يخاف الله عزوجل، فوالله لا يقدر حميلتك ولا كريمتك ولا ابنتك ولا أختك إلا من يخاف الله، والله لا يرفع قدرها ولا يحافظ عليها إلا من يخاف الله.
قال أحد الصالحين لابنه: يا بني! لا تصاحب ثلاثة: قال من هم يا أبتاه؟
قال: لا تصاحب الفاجر؛ لأن الفاجر ملعون في السماء، ملعون في الأرض، فكيف تصاحب الملعون؟!
ولا تصاحب عاق الوالدين؛ لأن عقوق الوالدين يدخل معه قبره، ولا تصاحب الكذاب لأن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، فأول ما نبحث عنهم من الرجال الذين يخافون الله.