وفاة المعتصم

ذُكِرَ أن الخليفة العباسي المعتصم القائد العسكري الذي فتح عمورية بتسعين ألفاً.

تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب

يقول بعض المؤرخين: كان المعتصم من أقوى الناس كان يأخذ السيخ من الحديد ويكتب اسمه من قوته, حتى يقول أحد المحدثين: دخلت على المعتصم فمد ذراعه لي, وقال: أسألك بالله أن تعض يدي, -ذكرها السيوطي - قال: فعضضت يده، قال: والله ما أثرت أسناني في لحمه, لكن هذه القوة صرعها هادم اللذات, ومفرق الجماعات, وآخذ البنين والبنات, اسمعوا المتنبي ماذا يقول في الأقوياء أهل الحفر المظلمة:

أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق

نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

أين الأكاسرة الجبابرة الأولى كنزوا الكنوز فلا بقينا ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق

فالموت آت والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمق.

المعتصم لما حضرته الوفاة, قال: أأموت اليوم؟

قالوا: تموت اليوم - وهو شاب في الأربعين يظن أن الإنسان لا يموت إلا بعد السبعين فقال للعلماء: أأموت اليوم؟ قالوا: ثبت شرعاً أنك تموت اليوم, وهل عندك شيء؟ قال: سبحان الله! فنزل من على سريره وهو يرتعد، وقال: والله لو ظننت أني أموت اليوم ما فعلت الذي فعلت من المعاصي!! سبحان الله!

ما الفرق بين اليوم وغدٍ؟

قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] غداً قريب, وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].

ولا يستفيق المغرور بالمعاصي إلا في سكرات الموت, كم يعظ الواعظ؟ وكم يتحدث العلماء؟ وكم يدعو الدعاة؟ ولا يستفيق بعض الناس إلا إذا حشرجت بنفسه صدره.

فلا إله إلا الله ما أغفل هذا الصنف! لكن الأخيار الأبرار علموا أن الطريق إلى الله تأتي بالتهيؤ لسكرات الموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015