ثم القضية الثالثة من الفوائد: طرد الشيطان وتضيق مجاري الدم، فالدم يزيد بكثرة الطعام والشراب، ولذلك قالوا عن الصيام: إنه قرة عيون العابدين، وشرح لصدور المستقيمين، وبلسم شافٍ لقلوب الموحدين، وكهف يلجأ إليه العابدون، ويحبه القائمون العارفون، أو كما قالوا.
إذا علم ذلك فإن الطعام والشراب يكثر جريان الدم، والشيطان يجري -كما في الحديث الصحيح- من الإنسان مجرى الدم، كلما أكثر الإنسان من الأكل كلما كان شيطانه أكبر إلا أن يستغفر الله ويذكره، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الكافر يأكل في سبع معي -أمعاء- والمؤمن في معي واحد} لأن الكافر يأكل معه الشيطان والعفاريت والجن، ويحضرون مأدبته ويشاركونه هذه الضيافة الكريمة منه لإخوانه وقرنائه.
أما الصالح فإنه يسمي ويأكل وحده، ولذلك يقول بعض العلماء لما قال صلى الله عليه وسلم في صيام أيام البيض: إنما خص البيض -وهذا علم عصري يقبل الرد والقبول -يقول: إنما خصص الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأيام البيض؛ لأن الأيام البيض يكثر جريان الدم في العبد، ولذلك المد في البحر يزيد، والجزر ينقص إذا اختفى القمر فقالوا: جريان الدم يزيد في الثلاثة الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فجعل صلى الله عليه وسلم الصيام في هذه الأيام لتضيق مجاري الطعام والدم، ليندحر الشيطان، فأخسأ ما يكون الشيطان في رمضان.
ولذلك إذا دخل رمضان فتحت الجنان- اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من ورثة الجنة -وغلقت النيران -نعوذ بالله من النار وصفدت الشياطين- ومصفودة، يعني: مغلولة أياديها إلى أعناقها لا تتحرك في رمضان، لأنه حجر عليها في الطعام والشراب.