والمسألة الثانية من فوائد الصيام:
التواضع وانكسار النفس، فالنفس جموحة طامحة لا تنكسر إلا بجوع، والجوع هذا مدرسة، يوم تجوع تتذكر الفقراء والمساكين، فكثير من الناس اليوم شبعان ريان في قصره وسيارته الفاخرة، ووظيفته العالية، يظن أنه ليس في الدنيا فقير، وقد سمعت عن فقير أنه ما وجد عشاء ليلة هو وثمانية من الأطفال عنده، ولم يجد الوقود الذي يعبئ به سيارته ليس له وظيفة أو دخلٌ أو منصبٌ، وهو رجل يعول عائلة، ومستأجر في بيت، فلم يجد عشاء ليلته، فذهب إلى جيرانه يطرق عليهم ليستلف منهم ما يعشي به أطفاله، ولكن كثيراً من الذين يتعاملون بالربا ويستقلون السيارات الفاخرة، والمناصب العالية، والأموال الغزيرة لا يشعرون بهذا، لكن يشعرون إذا صاموا بحرارة الجوع وحرقته ولوعته، فكيف لا يعيش الإنسان هذه الأحداث؟!
فيا أيها المسلمون! مقصدي ومقصدكم إن شاء الله أن نشعر بالجوع، وهو المحذور الذي ذكرنا من النوم في رمضان، فإن بعضهم ينام بعد الفجر إلى قريب من الظهر، ثم ينام من العصر إلى قريب المغرب، فمتى يصوم ويحس بالصيام، هل هو صوم النوم؟ كتب عليه الصوم وهو نائم في الأحلام، يرى في المنام أنه صائم، فلا يستيقظ إلا ثلاث ساعات، وبعضهم وجد أنه لا يستيقظ إلا وقت الصلاة، يصلي الفجر ثم ينام حتى صلاة الظهر فإذا سمع الأذان توضأ وأتى فنقر أربع ركعات، وليس فيها نافلة، ثم يعود مباشرة لئلا يضيع الوقت فينام إلى صلاة العصر، ثم يصلي العصر ثم لا يستيقظ إلا في صلاة المغرب، فهل هذا صوم؟
هذه كصلاة عجائز نيسابور وليس بصوم هذا، فليس المقصود في الإسلام أن يستلقي الإنسان على فراشه ثم لا يشعر بالجوع والظمأ، ولا يتلو القرآن ويعيش التلاوة، ولا يتذوق السيرة، أو يقرأ الحديث، ولا يدعو إلى الله، ويغتنم الذكر والاستغفار والتوبة، إذاً ماذا قدم؟ وماذا فعل؟