المسألة الثانية: ألا يقولوا على الله إلا الحق.
{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف:169] أما أخذنا عليهم الميثاق ألا يخافوا في الله لومة لائم؟!
ألم يؤخذ عليهم أن يقولوا كلمة الحق صريحةً هادئةً حكيمةً تصل القلوب؟!
الكلمة قوية، أقوى من شعاع الشمس، وأقوى من الذرة، والأمة تحتاج إلى كلمة العالم، يقولها في وقتها وفي مكانها، حينها يشكره الله، ويثيبه الله، ويرفع منزلته، وهذا واجب طلبة العلم، والدعاة، والأخيار، أن يقولوا كلمة الحق، لكن {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] بهدوء، وبصدق، وبإخلاص، ولا يكتم على الأمة كلمات الحق، ولا يخرس ألسنتهم، ولا يعكفوا في بيوتهم، لكن يصلوا إلى الحق بحكمة وهدوء وانضباط واتزان ليبلغوا دين الله، وينصروا هدفهم الذي هو إعلاء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
أما أن يقول العلماني كلمته، ويبرز علينا من الشاشة، ويتكلم من الصحف والمجلات، ويستهزئ بالخيرين، ويكون جريئاً متحدياً، وإذا قلنا له: لا، قالوا: عليكم بالحكمة:
إذا عير الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل
قُلْ كلمة الحق، ولو ذهب رأسك في كلمة الحق، لماذا أتباع برجنيف تسحق جماجمهم تحت الدبابات في أفغانستان؟!
لماذا أذناب شامير -إسرائيل- في سيناء تشدخ رءوسهم تحت المجنزرات، يريدون أن يثبتوا عقيدتهم وعقيدتنا التوحيد، لكن بلا طيش، ولا تهور، ولا عجلة، لكن حمل الواثق الذي يحمل مبادءه، ويؤديها في رسوخ، وفي ثقة، وفي حكمة، ويطالب بحقه الإسلامي الشرعي الذي فرضه الله.
أنا وأنت لو اعتدي على منزلنا وعلى أرضيتنا وسيارتنا، ما رضينا، نذابح أنا وأنت، ونقاتل، لكن الإسلام يُنْتَهَك، والمنكرات تفشو، والحدود تُنْتَهَك، ومع ذلك نفسي نفسي، لكن الله تعالى يقول: {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف:169] والله تعالى يقول للعلماء وللدعاة ولطلبة العلم: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] لا تحللوا المحرم، ولا تحرموا المحلل.
وعجبت لكاتبٍ أديبٍ من هذه البلاد في الشرق الأوسط، جعل نفسه مفتياً، وهذا هو العجب العجاب، وأظنه لا يحفظ حديثاً من صحيح البخاري أو صحيح مسلم.
وأتحداه أن يحفظ حديثاً ويخرجه لنا، أو يحفظ مسألةً فقهيةً وينسبها إلى كتاب من كتب أهل العلم، وأتى يقرر علينا في عين العاصفة قضية القضايا وبقية القضايا، ويناقشنا في مسائل هي لهيئة كبار العلماء وليست له:
ويُقْضَى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يُسْتَشْهَدون وهم شهود
أنت لست هناك، تفرض على الأمة، أنت لست أميناً، وليس لك مكان فقه على الأمة، طهر كيانك أولاً.
وقرأت له أيضاً مقابلة نشرت في مجلة الدعوة قبل ثمان سنوات، يقول: ما رأينا النور في الجزيرة العربية منذ ثلاثة آلاف سنة، وعرضت فتواه على بعض العلماء، فقال: إن كان اعتقد ما يقول فقد ارتد عن الإسلام، وأقول له: أنت ما رأيت النور منذ ثلاثة آلاف سنة، فنقول: صدقت أما أنت فما رأيت النور، لكن نحن عشنا النور، وشربنا النور، ومشينا في النور، {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]:
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أَينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه
فكيف يكون هؤلاء متكلمون بلسان الأمة، ومتحدثون عن شريعة الأمة؟!
يفاوض على مسائل ليست له، هي لـ ابن تيمية، ابن باز وابن عثيمين ولأمثالهم من هيئة كبار العلماء والفضلاء أما له فلا، لا نقبل.
عليه أولاً: أن يتوضأ ويصلي معنا!
عليه أولاً: أن يتوب، ويعلن إسلامه، ويتخلى عن الرجس والوثنية، ثم يتكلم لنا في المعتقد والشريعة.
قال سبحانه: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} [النساء:50].
انظر كيف يكذبون على الله، يقولون: حلال وحرام؟!
رأيت في مجلة وهو موجود في شريط: (الفتاة السعودية والعلمانيون) توثيق هذا الكلام موجود، رأيت مفتياً أتوا به على حد قول جمال: عاوز مفتي بفرخة!! ماذا يقول جمال: أطلب من المصريين أن يعطوني مفتياً وأعطيه فرخة، إذا أردت مفتياً يفتيني في مسألة أعطيته دجاجة ويفتيني فتوى على الكيف!!
ولذلك وجد من يفتي بفرخة، ووجد قرَّاء بفرخة، اففتح جمال ذات مرة مشروعاً في أسوان فأتوا بقارئ قالوا: اقرأ سورة فيها ذكر جمال، فتأمل هذا القارئ واستعرض القرآن، فوجد لفظة (جمال) في سورة النحل، يقول فيها: {لَكُم فِيهَاَ جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] والله يذكر الإبل والبغال والخيل والحمير، ولا يذكر جمالاً، فأتى المقرئ فقال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] فالتفت جمال، وقال: يفتح عليك.
اكتشف لفظ (جمال) في القرآن، هذه قراءة بفرخة!!.
فهذا المفتي في إحدى المجلات النسائية قيل له: أتزور المرأة المقبرة؟
قال: نعم، يجوز لها أن تزور بمحرم.
ما شاء الله! هم في المسارح لا يشترطون المحرم، والسفر إلى بنكوك وباريس لا يشترطون أن تزور المرأة بمحرم، وتسافر في المطارات بلا محرم، لكن عند المقبرة بمحرم حتى لا يخرج عليها الموتى، هذه فتوى بفرخة، فتوى على الكيف.
{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء:50].
انظر كيف يدجلون على الأمة؟ يضحكون على لحانا؟!!، هل أصبحت الأمة بقراً؟!
ما أصبح في الأمة مثقفون يفهمون الحرام والحلال!! حتى طالب ابتدائي يعرف أن بعض المسائل التي يفتيها بعض الناس خطأ، ولكن علماؤنا -إن شاء الله- منزهون عن ذلك، وهم بمنزلةٍ عاليةٍ رفيعة.
نسأل الله أن يثبتهم وأن يزيدهم توفيقاً لقول الحق لا يخشون في الله لومة لائم.