أما عدم الكتمان: فهو مطلب أساسي، والكتمان مصيبة، وكبيرة من الكبائر، نعوذ بالله من ذلك، فكتمان الحق جبن، وكتمان الحق انهزام في الشخصية، وكتمان الحق فشل، وعندما تصبح هذه الظاهرة عند العالِم تنتهي الأمة فلا تصدقه، ولا تثق به، ولا تنضوي تحت لوائه، ولا تذهب معه، ولا تشيد به، وتصبح الأمة بعيدة كل البعد عنه، كيف يكتم وعنده جوهر، وعنده وثيقة، وعنده نصوص في صدره؟!
يقول الله محذراً من الكتمان: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160].
ما هي بركة العلم؟
لماذا الكتمان؟!
ولماذا الخوف؟! {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] أي: يبلغون ما أنزل الله من الكلام رضي من رضي وسخط من سخط، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط، نحن لا نداري الناس بالعلم الذي نحمله، ولا نترضى أمزجة الناس، ولا نسترضي الناس بسخط الله، فإن عند ابن حبان مرفوعاً: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس}.
وهذه سنة الله، والعالم يوم يرضي الله ولو سخط الناس، لكن سترضى عنه الأمة، ويرضى عنه الناس جميعاً.
يقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187].
والكتمان يعني: التغطية، إغلاق المعلومات في قدر من الضغط ثم القفل عليها، ففي وقت الحاجة تضطرب الأمة، فعندما تريد منه رأياً، وحكماً، يكتم ويسكت، تسأله: تكلم؟
أفتنا؟
قال: الحكمة الحكمة، إنها حكمة مدفونة، حكمة ميتة، نريد حكمة حية، لا نريد حكمة لم يفهمها أبو بكر، ولا عمر، ولا ابن تيمية، ولا العز بن عبد السلام، الحكمة: وضع الشيء في موضعه، وليس معناها: الموت! أو إماتة الحق! لا، هذه ليست مرادفة.
يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار}.
علم أن الأمة تحتاج إلى مسألة، إلى مقولة، إلى خطبة، ولكنه كتم! يسألونه فيحوص من هنا ومن هنا، يأتي من فوق ومن تحت ومن يمين ومن شمال حتى لا يصل إلى المقصود كتماناً، هذا هو الخور، والأمة ليست بحاجة إلى هذا الصنف أبداً، ولا تجد الأمة لهم مكاناً في صفوفها، ولا استعداداً لتقبل كلام هذا الصنف، وقد أثبت التاريخ ذلك.
والكتمان أصيب به بنو إسرائيل، قال سبحانه: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37].
قيل: أهل العلم، عندهم رسائل وعندهم آيات وأحاديث ولكنهم كتموها، وما أعطوها الأمة حتى وجد من بعض العلماء من يبخل على الشباب بدرس أو محاضرة، وكأنه ينفق عليك من جيبه ومن لحمه ودمه، وإذا ألقى كلاماً قطر بالقطارة عليك، كأنه يعد عليك الكلام عداً، هذا بخل بالعلم، والبخل بالعلم حرام.